بلوق الميز
اجهزة الامن الليبية تكافئ البطل المصري بحفلة ضرب
لا يمكن أن تواسيه بـ «لمسات» من يدك على كتفه.. لا يطاوعك قلبك أن تصافحه بحرارة وتضغط على يديه.. يجب أن تنتظر طويلا حتى تخرج كلماته توضح لك ما حدث..
عندما يتحرك لابد لك أن تقترب منه وتقف إلى جواره لتمنعه حتما من السقوط.. إبراهيم السيد إبراهيم.. شاب مصرى عاد قبل شهور من ليبيا.. عاد محمولا فى «بطانية».. تحاصره كسور فى كتفه.. واليدان بهما كسور والظهر به «كسور» فى فقرتين.. وأنف لم تبتعد عنه الكسور.. وقدمان أكل منهما «الجبس « كثيرا.. وتطارده احزان ودموع لا تتوقف.
فى شهر نوفمبر الماضى، كان الشاب ابراهيم حديث بعض الصحف الليبية.. ابراهيم اسقط عصابة دولية فى قبضة السفارة المصرية والامن الليبى.. العصابة ارسل قائدها من لندن مليون يورو.. كانت فى طريقها الى «الغسيل» أو لـ «عملية ارهابية».. الصحف التى نشرت تفاصيل «السقوط» لقبت ابراهيم بـ «الفرعون المصرى الذى اسقط عصابة دولية».. لكن ما حدث بعد ايام من النشر كان قاسيا.. حضر اليه ضابطان من رجال البحث الجنائى فى ليبيا.. عاتباه لأنه أخبر سفارة بلاده بشأن العصابة ولم يخطر الأمن الليبى.. الضابطان اقتاداه الى قسم شرطة هناك..
وحطما عظامه كاملة لمدة يومين متتاليين.. ووضعاه داخل «كيس بلاستيك» من الحجم الكبير.. وألقيا به فى مزرعة وسط مكان خال من المارة والسكان.. ظناً انه مات او سيموت.. وبعد ساعات قادت اليه «المصادفة» صاحب المزرعة ليكتشف الواقعة وينقله إلى المستشفى ليظل به اسبوعا داخل العناية المركزة.
جريمة تعذيب ابراهيم حققت فيها السلطات الليبية والنيابة العامة هناك وأمرت بحبس الضابطين.. لكن السفارة المصرية فى ليبيا التى «طارت» بإبراهيم فرحا عندما أبلغ عن العصابة، تركته هكذا محطما.. لا يقوى على شىء.. وحتى المكافأة التى كان مقررا ان يحصل عليها لم تصله.. ١٠ آلاف يورو كانت كفيلة ان تعيد بعض الكسور فى جسد الضحية الى طبيعتها.. كانت كفيلة ان تعوضه مؤقتا عن «حفلة تعذيب» تعرض لها.. كانت ستمنع دموعا لا تتوقف تغرق وجه الشاب حينما يتحدث.
إبراهيم «٣٧ سنة».. سمكرى سيارات سافر الى ليبيا فى سبتمبر ٢٠٠٧ _ الحديث لإبراهيم بمساعدة شقيقه احمد حينما يتوقف_.. احضر زوجته وابنيه الى حيث يعمل وألحقهما بمدارس فى نفس المنطقة وبعد شهرين أغلقت الورشة التى كان يعمل بها.. التحق بورشة يمتلكها مصرى يدعى نسيم موسى خليفة ١٠ ايام فقط واقترب منه نسيم وطلب منه جواز السفر الخاص به لشراء طلبات على «الجواز» واحضارها من الخارج اخبره انها ملابس وبطاطين.
وفى يوم التسليم حضرت الرسالة من بنك معروف فى لندن ودفع الجمرك الخاص بها وقيمته ٢٥ الف يورو من اموال صاحب الورشة وحضر ٤ افارقة من ليبيريا كانوا يعملون فى الورشة، توجهنا معهم الى سفارة بلادهم واعطونى الطرد وخزينة اموال..
ورفضت تسلمه لانه مخالف لما اتفقنا عليه.. كان الاتفاق انه ملابس وبطاطين.. توجهت الى السفارة المصرية واخبرتهم بالتفاصيل.. وقالوا لن نستطيع مساعدتك حتى نعرف ما بداخل الطرد.. واعطانى رجل الامن فى السفارة رقم القنصل «وئام بيه» وانه ينتظر ان يعرف ما فى الطرد.
فى تلك اللحظات _ ابراهيم يتحدث ويتوقف ودموعه تخنقه _ اتصل بى الافارقة ونسيم وقال: «إن لم تأت سنقتل اولادك وزوجتك»..ذهبت اليهم وفتحوا الخزينة وكانت بها اموال، عرفت فيما بعد انها مليون يورو وكان مع المبلغ كتاب مكتوب فيه :»من الاتحاد الاوروبى الى شمال افريقيا للتشكيل تحت الهيكلى ومساعدة الدول النامية»..
واعطونى لحظتها ١٠ آلاف دولار.. ممكن تقول عمولة وألقوا بالكتاب فى القمامة.. أمسكت بالكتاب والمبلغ وتوجهت فى اليوم التالى الى «وئام بيه».. القنصل المصرى فى ليبيا وسلمته الكتاب والمبلغ.. تركنى وتوجه الى السفارة والتقيت السفير المصرى وقال لى: «انت ابن مصر ودى بطولة» وطلب منى ان أساعد الأمن الليبى لأسقط العصابة.
التقيت ضباطا ليبيين بمعرفة السفارة واعطونى هاتفا محمولا لتسجيل المكالمات بينى وبين نسيم.. وقتها كانت الخزينة الموجود بها الاموال فى الورشة.. واتصلت بـ «نسيم» وقال لى ان الافارقة سيعطوننى ١٠٠ الف يورو كى اسلمهم الخزينة..
فى الوقت نفسه كانت السفارة تتصل بى للاطمئنان على وعلى اولادى من خلال عمرو بيه.. وبعد ٤ ايام تم القبض على الافارقة ومبلغ المليون يورو وجهاز صغير.. تلقيت اتصالا من عمرو بيه مستشار السفارة.. وقال: «سلمت العيال يا بطل.. هنعملك حفلة» وفى اليوم التالى.. حدث ما قاله عمرو بيه وقالوا لى ستأخذ ١٠% من قيمة المبلغ وكذلك ١٠ آلاف دينار من الحكومة الليبية..
مر يومان واتصل بى شخص يدعى يوسف من لندن وقال: «سنذبحك انت واولادك « حتى لو سافرت مصر.. وابلغت السفارة بـ «الاتصال الجديد».. وحضر الى رجال امن ليبيين واعطونى هاتفا محمولا وسافروا بى الى لندن ووصلوا الى المتصل.. حيث كان يتصل بى على نفس الرقم وانا بجواره فى بنك بلندن ويظن اننى فى ليبيا.. وتبين انه نائب لمدير هذا البنك..ونشرت الصحافة الليبية صورا لى «الفرعون المصرى اسقط عصابة دولية قبل قيامها بتخريب فى طرابلس».
كنت خائفا على اولادى وزوجتى ولا اعرف اين ذهب نسيم او كيف اختفى.. ارسلت افراد اسرتى الى مصر خوفا من أى تطورات.
وبعد ١٠ ايام كنت انتظر المكافأة من السفارة او من الحكومة الليبية.. حضر الى اثنان من البحث الجنائى الليبى الى قسم شرطة: «ليه يا مصرى.. ما خبرتناش قبل سفارة بلدك بالعصابة.. انت الفرعون المصرى.. اللى صورك ملأت الصحف؟».. ولا اعرف حتى الآن عدد اللكمات والعصى الخشبية والركلات والإلقاء من مكان إلى آخر او حتى عدد الذين اعتدوا على.. كانت تصيبنى اغماءة واعود ليعود التعذيب والتكسير.. لم اشعر بشىء.. وجدتنى فى مستشفى الحوادث فى ابوسليم بطرابلس..
واخبرنى الاطباء اننى عدت للحياة من جديد.. وان صاحب مزرعة عثر على «كيس بلاستيك» كبير فى مزرعته واننى كنت بداخله لا أتحرك.. كنت أنازع الموت.. ولم اعلم.. كيف وضعنى الضابطان فى «الكيس» او متى القيا بى فى المزرعة.. مكثت فى المستشفى قرابة شهر مصابا بكسور فى الضلوع والقدمين والذراعين والانف وفى فقرات الظهر وجروح فى الوجه وتورم فى العينين.
يبكى ابراهيم من جديد وحوله كمية كبيرة من الاوراق والمستندات والاشعة ويقول: حضر رجال النيابة العامة فى ليبيا.. وحولونى الى الطب الشرعى وثبت اننى تعرضت لضرب مبرح وكسور وكدمات كادت تودى بحياتى.. وامرت النيابة بضبط واحضار الضابطين وحبستهما.
منذ شهرين.. تبرع احد المصريين بمبلغ صغير يمكننى من ان اعود الى اسرتى واطفالى.. وحضر ضابط ليبى كبير ووضعونى فى بطانية.. لاننى كنت مصابا بكسور ولم تلتئم بعد.. وسلمنى للمسؤولين فى منفذ السلوم: «خذوا الفرعون المصرى».
يبكى ابراهيم من جديد.. فرعون مصرى فى بطانية.. بعد كل اللى عملته سلمونى لـ«بلدى فى بطانية».
منذ حضرت وانا ارقد فى مستشفى طنطا العام.. أعانى آلاماً ا..لا يتحملها كثيرون.. الكسور لم تلتئم.. بعت منزلى فى طنطا.. لأنفق على علاجى.. تركت زوجتى واولادى لدى اسرتها..
حضرت الاسبوع الماضى للقاهرة.. اقيم فى شقة شقيقى سائق التاكسى.. لعلى اكون قريبا من وزارة الخارجية لتعيد الى حقى.. أتردد الآن على مستشفى المطرية القريب من منزل اخى.. وأنتظر اجراء جراحات فى جسدى.. منذ اسبوعين فقط تمكنت من الكلام والحديث الى اخرين بعد شهور من فقد النطق.
لا اعرف من سيعيد الى حقى.. هل ما زالت سفارتنا فى ليبيا تحتفظ بالمكافأة.. هل الحكومة الليبية وضعت لى مكافأتى فى بنك ما ، أم ان المكافأة ارسلتها مع الضابطين وكانت عبارة عن كسور وآلام لا تتوقف؟! اتمنى ان تتدخل نقابة المحامين لتتولى الدفاع عنى..
قال لى محام ان الاستاذ خليفة __يقصد حمدى خليفة نقيب المحامين _ سيكلف احدا بالقضية.. ماذا ستفعل وزارة الخارجية وسفارة مصر فى ليبيا معى.. ماذا ستفعل مع شاب اطلقت عليه الصحافة الليبية لقب فرعون.. فرعون؟! اصبح الآن «حطاما «.. ينتظر من «يلملم» عظامه ويعيد اليه بعض حقوقه.
المصدر : المصري اليوم
عند الاشتراك في المدونة ، سنرسل لك بريدًا إلكترونيًا عند وجود تحديثات جديدة على الموقع حتى لا تفوتك.
By accepting you will be accessing a service provided by a third-party external to https://almaze.co.uk/
تعليقات