بلوق الميز
موقع المغتربين العرب
المستهدف هو العالم الإسلامي كله
ليس المستهدف الشرق الأوسط فحسب، ولكنه العالم الإسلامي كله، والحديث الأمريكي المتواتر عن تغييرات مرجوة في خرائط المنطقة يبدو أنه كان أول الكلام وليس آخره، وهذا ليس استنتاجاً ولا هو استسلام لمنطق المؤامرة التي يصر بعض الأبرياء على نفي وجودها، ولكنه قراءة لأحدث الأخبار الآتية من العاصمة التركية أنقرة، ذلك أن صحيفة (يني شفق) نشرت في 30/1/2004 خبراً مفاده أن الرئيس الأمريكي جورج بوش عرض على رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خلال استقباله في البيت الأبيض يوم 28/1/2004 معالم المشروع الأمريكي الجديد لـ(الشرق الأوسط الكبير)، الذي يمتد من المغرب حتى إندونيسيا، مروراً بجنوب آسيا وآسيا الوسطى والقوقاز
.
حسب الصحيفة فإن المشروع طبقاً لما عرضه الرئيس الأمريكي، جعل من تركيا عموداً فقرياً، حيث تريد واشنطن منها أن تقوم بدور محوري فيه، حيث تتولى الترويج لنموذجها الديمقراطي واعتدالها الديني، لدرجة أن الرئيس الأمريكي اقترح أن تبادر تركيا إلى إرسال وعاظ وأئمة إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي لكي يتولوا التبشير بنموذج الاعتدال المطبق في بلادهم، وأن هذا النموذج هو الأصلح للتطبيق في العالم الإسلامي، ومن ثم الأجدر بالتعميم لأسباب ثلاثة:
أولها: أنه ملتزم بالعلمانية التي تهمش دور الدين إلى حدّ كبير، بل وتعارض أي دور للدين في الحياة العامة، وهو مطلب تلح عليه واشنطن وتمارس أقصى ما تملك من ضغوط على الدول الإسلامية للاقتراب منه أو الالتزام به.
السبب الثاني: أن تركيا تعتبر نفسها جزءاً من الغرب، وموالاتها للولايات المتحدة ثابتة ولا شبهة فيها، وبالتالي فهي تعد جزءاً من العائلة الغربية، وتحتفظ مع العالم الإسلامي بعلاقات شكلية.
السبب الثالث: أن تركيا لها علاقاتها الوثيقة مع إسرائيل، الأمر الذي يلقي ترحيباً وتشجيعاً كبيرين من جانب واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي.
لهذه الاعتبارات فإن تركيا تعد من وجهة النظر الأمريكية الحليف النموذجي الذي ترشحه لكي يؤدي الدور الرائد في مشروعها ليس فقط لترويض المنطقة، ولكن أيضاً لتقديم نموذج الإسلام الذي تتوافر فيه شروط الاعتدال كما تراها واشنطن(1).
تحول في العلاقات التركية - الأمريكية
وإذا كانت العلاقات الأمريكية - التركية علاقات متميزة خلال عقود من الزمن.. إلا أنها كانت تنطلق من العسكر.. فالمسؤول الأمريكي عندما كان يزور أنقرة على سبيل المثال.. كان يلتقي برئيس الأركان التركي، وفي اللقاء يتم التفاهـم على كل النقاط التي تهم السياسات المشتركة التركية –
الأمريكية، وتبقى زيارة رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء من باب العلاقات العامة والبروتوكول الواجب لا أكثر.
وأمريكا اليوم غير أمريكا الأمس.
أمريكان الأمس.. كان يهمها من تركيا أن تكون قوة ضاربة في مواجهة الأصولية الإسلامية والشيوعية.. وأن تسمح لها بإقامة قواعد عسكرية في جميع أرجاء البلاد.. وأن تبقي نصف مليون جندي تركي تحت السلاح.. وأن تقيم مناورات عسكرية دورية أمريكية - تركية – إسرائيلية..
أما أمريكا اليوم.. فهي الطامحة إلى إقامة الإمبراطورية الأمريكية.. المنطلقة إلى تمسيح العالم (أي جعله مسيحياً) والتقرب إلى الله بمساعدة إسرائيل.. وإلحاق الهزيمة الكاملة بالعرب والمسلمين.. وإذا كانت أمريكا لا تستطيع القضاء على 1.5 مليار مسلم في العالم.. فلتحاول إيجاد نماذج إسلامية.. دينها الإسلام وإيمانها العلمانية تساعدها في تحقيق أهدافها.. ووجدت ضالتها في تركيا وباكستان.. وإذا كان النموذج الباكستاني مازال غير مهيأ للتبعية الكاملة فإن النموذج التركي جاهز.. فقد تم التفاوض عليه منذ عام 1997.. أي قبل إسقاط حكومة نجم الدين أربكان..
بحثوا عن النموذج الذي يصلح لهذا الدور وأطلقوه هادراً يكتسح أمامه كل العقبات المحلية.. حتى وصل إلى المحطة الأخيرة ليصبح النموذج المطلوب.
ولكن هل هناك أدلة على هذا الكلام؟
الدليل الأول هو الخبر الذي نشرته جريدة يني شفق التركية (وهي بالمناسبة الجريدة شبه الرسمية).. والذي طالب فيه بوش ضيفه أردوغان بأن تصبح تركيا العمود الفقري لنشر فكرة الشرق أوسطية الجديدة في العالم الإسلامي، وأن ترسل تركيا دعاة ووعاظاً إلى منطقة الشرق الأوسط الكبير يروجوا للفكرة.
والدليل الآخر هو مواقف الحكومة التركية الجديدة التي مازالت في نظر البعض حكومة إسلامية باسلوب جديد.. من هذه المواقف:
1 - التفريط بقضية قبرص.. والتي كانت مشكلة قومية تُجمع عليها الأحزاب التركية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.. ولكن حكومة أردوغان أعلنت أنها ستقبل التنازل عن أراض إلى الجانب القبرصي اليوناني المعترف به دولياً.. وهو شرط اليونان لإيجاد حلّ للقضية القبرصية.
2 - التفريط بالسوق الإسلامية المشتركة.. وقد أبدى رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان مؤخراً معارضته لمبدأ إقامة سوق إسلامية مشتركة، ورأى أن المشروعات القائمة على أساس ديني لا تستقيم مع عالم التجارة.
وأعلن أردوغان في كلمته بمنتدى جدة الاقتصادي الخامس، الذي عقد بين 17 و18 يناير 2004، انه يرى خطأ مفهوم إقامة سوق إسلامية مشتركة، حيث أن المشروعات التي تقوم على أساس عرقي أو ديني أو مذهبي لا يكتب لها النجاح، معتبراً في الوقت نفسه أن مثل هذه الأطروحات لا مكان لها في عالم التجارة في وقت يتجه العالم نحو العولمة.
وفي الوقت الذي عارضت الأوساط الإسلامية التركية تصريحات أردوغان، اعتبرها التيار العلماني رسالة موجهة للعالم الإسلامي لحثه على الحداثة والتوجه نحو ما أسموه (الليبرالية الدينية).
اتجاه نحو التغريب
وفي مقال للكاتب الصحفي والسياسي سليمان عارف أمره من حركة مللي جوروش الإسلامي التي يتزعمها نجم الدين أربكان جاء فيه: (إن أردوغان يتوجه تدريجياً نحو التغريب، والتخلص من فكره السابق بمطالبته برفض السوق المشتركة الإسلامية).
وأضاف: (أن تصريحات رئيس الحكومة تتعارض مع أمنيات وآمال الشعب التركي. لو كان أردوغان يتخوف من الأساس الديني للسوق المشتركة ويعارضها من هذا المنطلق، ترى هل نسي أن هناك أحزاباً في كثير من الدول الأوروبية تحمل الاسم المسيحي)؟
وتابع سليمان عارف أمره قائلا: (فيما يتعلق برفضه للمشروع على أساس قومي فإن الاتحاد الأوروبي يستند على أساس عرقي باستخدام كلمة أوروبي، فهل سيتراجع أردوغان عن انضمام تركيا لعضوية الاتحاد لأنه يستند لأساس عرقي)؟
من جهته تساءل الكاتب الصحفي عبد الرحمن ديليباك في صحيفة (وقت) التركية عن كون منظمة الأمن والتعاون الأوروبي تقوم على أساس عرقي وجغرافي ؟
وقال: لست أدري من أوعز لأردوغان بهذا الرأي ومن يقف وراءه. ورأى أن يقوم أردوغان بتوضيح تصريحاته، وأن يبين للرأي العام هل هو رأي شخصي أم هو سياسة لحزب العدالة والتنمية؟
محاكمة الميراث الديني
وفي معرض تعبيره عن تأييده لتصريحات أردوغان، انتقد يالجين دوغان بصحيفة (ميلليت) التركية اليسارية إغلاق السعوديين لمتاجرهم 5 مرات يومياً من أجل الصلاة، وقال: (هذا لا يتفق والسوق التجارية وجدية العمل، لأن الذهاب والعودة للصلاة يعني ضياع ساعة ونصف من وقت العمل)، على حدّ قوله.
وأضاف أنه يلمس (خلافاً بين قواعد وكوادر حزب العدالة والتنمية وبين أردوغان، فالقاعدة مازالت تسير على أساس إسلامي وديني، بينما أردوغان قد تغير).
أما يشار نوري أوزتورك أستاذ كلية الإلهيات، العضو البرلماني عن الحزب الجمهوري اليساري، فقد أبدى سعادته بتصريحات رئيس الحكومة التركي، وقال: أشعر بالسرور من تصريحات أردوغان، إن الشيء الذي يجب مناقشته أولاً هو محاكمة الميراث الديني للعالم الإسلامي، يجب علينا أن نتوب من الميراث الماضي ونقول بأنه كان خطأ.
وقال الصحفي طه آكيول في حديثه مع شبكة (سي إن إن) التركية: لكي يمكن فهم تصريحات أردوغان يجب النظر لتاريخ الميراث الديني السياسي للحكم والمجتمع، نحن بحاجة لتغيير التوجه نحو الليبرالية الدينية، وهذه هي المرة الأولى في تاريخ تركيا التي تنقل للعالم الإسلامي مفهوماً جديداً معاكساً لما سبق أن نقله أربكان وذلك من أجل البحث عن مجتمع مفتوح وديمقراطي.
درس للعالم الإسلامي
صحيفة (ترجمان) العلمانية اعتبرت تصريحات أردوغان درساً للعالم الإسلامي من تركيا الديمقراطية، بينما رأت صحيفة (دنيا) الاقتصادية أن ما رفضه أردوغان في منتدى جدة وتصريحاته بعدم وجود صحة لفكرة مشروع إقامة سوق مشتركة بين الدول الإسلامية يعد تطوراً في السياسة الخارجية التركية ودعوة للبلاد الإسلامية للاحتذاء بالنموذج التركي.
إسرائيل الكبرى
وكتب مته جوندوغان في صحيفة (مللي غازتة): إن طرح أمريكا لمشروع الشرق الأوسط الكبير في هذا الوقت بالذات، بينما تضغط على سوريا وإيران، يعني طرحاً لمشروع دولة إسرائيل الكبرى.
وذكرت صحيفة (وقت) التركية أن مجموعة من قادة اليسار التركي (من بينهم كمال علمدار أوغلو رئيس جامعة استانبول، والدكتور نور الدين سوزان عضو البرلمان عن الحزب الجمهوري المعارض) بحثت يوم 14/2/2004 مع شيمون بيريز – رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق وزعيم حزب العمل – مشروع الشرق الأوسط الكبير. ولم يسمح للصحافة بالمشاركة في تغطية الاجتماع.
وقد صرح بيريز لقناة (إس تي في) التركية الخاصة التابعة لجماعة النور الدينية بأن تركيا دولة نموذجية بالعالم الإسلامي وعليها دور في مشروعات المنطقة.
وقال بيريز: إنه إذا كان الاتحاد الأوروبي يرغب في القضاء على الصراع الكبير الجاري بين العالم الإسلامي والمسيحي فعليه منح تركيا عضوية الاتحاد الأوروبي، لأن ذلك هو الحل المناسب لمنع صراع الحضارات.
ورأى بيريز أنه باستطاعة تركيا أن ترسم طريقها الاستراتيجي من الناحية الاطلسية وطريقها الاقتصادي من الناحية الأوروبية، وطريقها السياسي من ناحية البحر الأبيض المتوسط.
وقال: إن العلاقة الجيدة التي تمتلكها تركيا مع إسرائيل والعالم العربي تؤهلها للعب دور الوسيط بين إسرائيل وسوريا لحل الخلافات القائمة بينهما,
رؤية كيسنجر
من جهتها، تعرضت الكاتبة الصحفية سيبل آرصلان في مقال لها بصحيفة (وقت) للمشروع بقولها: إن أمريكا أعطت الضوء الأخضر لأردوغان حول مشروع الشرق الأوسط الكبير في زيارته الأخيرة، على أساس أن تقوم تركيا بدور محوري في هذا المشروع، وهو ما يتفق ورؤية وزير الخارجية الأمريكية السابق هنري كيسنجر التي طرحها في عام 1995 والتي تقول بأن تركيا يجب أن تكون دولة محورية بالشرق الأوسط.
وقالت سيبل: إن التقاط صور لزوجتي أردوغان وجول المحجبتين مع قرينة الرئيس الأمريكي او بعض زوجات رؤساء وزراء الدول الأوروبية ليس عشوائياً وإنما يدخل في إطار التقارب الأمريكي مع تركيا لإقناعها بالقيام بدور في المشروع، ومحاولة لإظهار نوع من التسامح مع الإسلام ممثلاً في الحجاب بينما تتربص به أوروبا.
استانبول مركز القيادة
وأشارت صحيفة (مللي غازتة) التركية إلى تصريحات سابقة لجلال طالباني زعيم حزب الاتحاد الكردستاني العراقي التي قال فيها: إن مشروع الشرق الأوسط الكبير أو اتحاد الشرق الأوسط يجب أن يدار من استانبول على أساس تشكيل 4 تجمعات اتحادية في المرحلة الأولى تتحول إلى 4 كونفدراليات ينتخب لها خليفة في مرحلته الثانية.
ويقول مراسل (إسلام أون لاين . نت) أن المؤرخ اليهودي البريطاني الأصل برنارد لويس الذي يحمل الجنسية الأمريكية هو صاحب فكرة المشروع، ويهدف من خلاله إلى إذابة الهوية القومية لدى دول الشرق الأوسط والتوحد تحت هوية الشرق الأوسط الكبير.
والمعروف عن لويس أنه منحاز في آرائه وتحليلاته ضد العديد من وجهات النظر الإسلامية والعربية، إلا أن اختصاصه الأساسي وشغفه الرئيسي هو تركيا، ويعتبر أنها الأنموذج لبلدان الشرق الأوسط والمرشحة الأقوى للعب الدور الأول مع إسرائيل في الشرق الأوسط في العقود الخمسة المقبلة.
للذكرى فقط...
وإذا كانت الشعوب العربية والمسلمة لا تنتظر خيراً من قوى الاستكبار العالمي.. أمريكا وأوروبا ومن سار على دربها.. فصورتهم البشعة واضحة.. وأعمال إسرائيل الهمجية في فلسطين تزيد صورتهم وضوحاً.. ولكن الصورة لم تكن جلية بالنسبة للبعض بخصوص الأوضاع في تركيا.. فهل توضحت الصورة الآن؟ أرجو ذلك.
لتصلك المعلومات
عند الاشتراك في المدونة ، سنرسل لك بريدًا إلكترونيًا عند وجود تحديثات جديدة على الموقع حتى لا تفوتك.
By accepting you will be accessing a service provided by a third-party external to https://almaze.co.uk/
تعليقات