بلوق الميز
موقع المغتربين العرب
الغضب صار فرض عين
لا تفاجئنا «اللاءات» التي أعلنها الرئيس بوش في مؤتمره الصحفي مع شارون، ولا الجريمة البشعة التي ارتكبها الأخير فور عودته، بقتل الدكتور عبد العزيز الرنتيسي. ولكن سيدهشنا لا ريب أن يقابل ذلك كله بصمت عربي، وألا يرد عليه بما يستحقه من غضب أو احتجاج. إذ الصمت في هذه الحالة لن يكون إعلاناً عن موت السياسة في العالم العربي فحسب، وإنما سيكون أيضاً بمثابة ضوء اخضر للاثنين لكي يفعلا بنا ما بدا لهما
.
(1)
لم يخيب الرئيس بوش ظن شارون، ولم يرد له طلباً أثناء لقائهما الذي تم في الأسبوع الماضي. إذ في اللقاء الذي عقداه يوم الأربعاء 14/4، سجل الرئيس الأمريكي أمام الملأ لاءاته الأربعة: لا لحدود عام 67؟ لا عودة للاجئين الفلسطينيين؟ لا لتفكيك المستوطنات المقامة في الضفة الغربية؟ لا لقرارات الجمعية العامة لمجلس الأمن المتعلقة بالحقوق الفلسطينية.
هذه اللاءات بمثابة انقلاب غير مسبوق في الموقف الأمريكي ذاته، حيث ظلت الإدارات السابقة جمهورية كانت أم ديمقراطية على التزامها؟ ولو من الناحية السياسية والقانونية؟ باحترام قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، سواء فيما يتعلق بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 67، أو بحق اللاجئين في العودة، أو تلك المتعلقة بعدم شرعية المستوطنات التي أقيمت فوق الأراضي المحتلة.
الانقلاب يعني الاستجابة لكل ما طلبته إسرائيل في المرحلة الراهنة، كما يعني تجاوز كل اتفاقات السلام ومشروعات التسوية التي طرحت خلال ربع القرن الأخير بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهنا افتح قوساً والفت النظر إلى أن إسقاط حق العودة، الذي تورط بعض الفلسطينيين في الإقرار به في مؤتمر جنيف الذي جرى تسويقه قبل شهرين، في إطار تسوية تصور المشاركون انهم توصلوا إليها. هذا التنازل اختطفه شارون وقدمه باعتباره أمراً مقبولاً من جانب الفلسطينيين، خصوصاً أن أحد مراكز الأبحاث الفلسطينية سيئة السمعة والممولة أمريكياً كان قد افتعل استطلاعاً أشار إلى عدم رغبة كثيرين من اللاجئين في العودة إلى بلادهم. الأمر الذي ترجم في النهاية إلى إعلان من جانب الرئيس بوش تبنى إسقاط ذلك الحق بالمجان!؟ علماً بأنه لا تزال في الأمم المتحدة لجنة معنية ببحث الحقوق التي لا تقبل التنازل، وعلى رأسها حق العودة.
حتى كتابة هذه السطور لم يكن قد عرف محتوى خطاب الضمان الذي قدمه الرئيس بوش إلى شارون، لكننا لن نحتاج إلى بذل جهد لكي نعرف انه سيكون إضافة أمريكية إلى جهود تعزيز الموقف الإسرائيلي، خصوصاً أن التقارير الصحفية تحدثت عن إبلاغ شارون للرئيس بوش انه سوف يسرع خطى بناء السور الوحشي، وان الرئيس الأمريكي بدا «متفهماً» لوجهة النظر الإسرائيلية، بمعنى انه وافق على الاستمرار في البناء، بكل ما يستصحبه من دمار والتهام لـ 58% من أراضى الضفة الغربية، وكل ما يترتب عليه من تشريد لحوالي ربع مليون فلسطيني؟ وقبل هذا كله وبعده فان الرئيس بوش أيد خطة شارون للانسحاب الأحادي من غزة، واعتبرها خطوة «تاريخية» (لا تنسى انه اعتبر شارون رجل سلام)، رغم أنها تقنن تركيع الفلسطينيين وتنهي عملياً «أي كلام» عن «خريطة الطريق»، التي جرى تسويقها يوماً ما باعتبارها الأمل الأخير في الحل الموعود.
لا اختلف مع الذين فسروا موقف الرئيس بوش باعتباره متأثراً بأجواء حملته الانتخابية وحرصه على كسب أصوات اليهود وأنصار إسرائيل، لكني أضيف أن هناك أموراً أخرى ابعد من المسألة الانتخابية، في المقدمة منها قناعاته الدينية التي هي صاحبة الدور الأساسي في تحديد موقفه من إسرائيل. وهو ما يدعوني إلى القول بان الرئيس الأمريكي بما فعل لم يصدر عن رغبة في التقرب إلى اليهود فحسب، ولكنه أيضاً كان متصوراً انه بذلك يتقرب إلى الله. وتلك حكاية تستحق أن تروى.
(2)
قبل اكثر من عام، في 11/3/2003، كان عنوان غلاف مجلة «نيوزويك» في كلمتين اثنتين هما: بوش والرب. وفي الداخل خصصت المجلة حوالي 12 صفحة استعرضت فيها الجانب الإيماني في حياة الرئيس الأمريكي، الذي بعد أن هداه الله وكف عن «الشقاوة» اعتبر نفسه من بين الذين «ولدوا من جديد». وهذه ليست صفة، ولكنها عنوان لجماعة تحمل ذلك الاسم وتضم 64% من أبناء الشعب الأمريكي (يقدر البعض عددهم بحوالي 120 مليون نسمة ويرى آخرون أن هذا الرقم مبالغ فيه وان عددهم لا يتجاوز 40 مليوناً). وهي تقدم الرئيس بوش وفريقه ممن يوصفون بأنهم من المحافظين الجدد، وصفتهم بأنهم الأشد رسوخاً في «الإيمان» في العصور الحديثة، قائلة «كأن الرئاسة تأسست ودعمت وأرشدت في ظل قوة الرب الدنيوية والروحانية». أضافت في هذا الصدد أن الرئيس بوش يؤمن بأن الإدارة الإلهية تحركه وتبارك خطواته. لذلك فانه قبل أن يترشح للرئاسة جمع نفراً من القساوسة لينال بركتهم، بعدما اخبرهم انه «تمت دعوته» لكي ينشد منصباً ارفع. ومنذ تولي منصبه وهو يتصرف كمبشر يتولى منصب القيادة، ويفسر الأحداث تفسيراً غيبياً.
كانت النتيجة؟ والكلام للأسبوعية الأمريكية؟ أن معتقداته الدينية أعمته عن رؤية العالم المحيط به، أو قراءة أحداثه بصورة متوازنة. فقد قال لمستمعيه ذات مرة عقب أحداث 11 سبتمبر «أن الإرهابيين يكرهون حقيقة.. أن نعبد الرب العظيم بالصورة التي نراها مناسبة».
هؤلاء الإنجيليون الذين «ولدوا مرة ثانية» أصوليون بامتياز. حيث يعتبرون النبوءات التوراتية عموداً فقرياً لرسالتهم، إذ من خلالها يقرأون التاريخ ويفسرون العالم. ويعتبرون أن العالم سينتهي قريباً، وان المعركة الفاصلة التي ستكون علامة النهاية (الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية والانجليكانية تعارضها وتعتبر اطروحاتها «هرطقة» لا تستحق المناقشة لاهوتياً). ويرون أن نهاية العام المحققة للنبوءات التوراتية بدأت عام 1948، مع إنشاء الكيان الصهيوني على ارض إسرائيل. ذلك أن تجمع اليهود على »ارض الميعاد«، هو في نظرهم «إرادة عليا»، القصد منها الإعداد للمعركة الفاصلة بين قوى الخير (إسرائيل والولايات المتحدة) وقوى الشر التي تضم كلاً من: العرب والمسلمين والأوروبيين وأيضاً الأمم المتحدة. وستنشب المعركة، حسب النص التوراتي الذي يقرأونه، في مرج ابن عامر شمال فلسطين (هرمجيدون أو وادي الملح).
في تلك المعركة سيجري تدمير الأرض، وهو ما يشير إلى عودة المسيح ليحكم العالم ألف سنة. أما اليهود فما عليهم إلا أن يشهروا إيمانهم (بالمسيحية) ولو قبل دقائق من وقوع «الكسوف الأخير»، وذلك بأن يقوموا بنسف المسجد الأقصى لكي يبنوا مكانه الهيكل الثالث، تكفيراً عن إنكارهم الطويل لحقيقة أن عيسى ابن مريم هو المسيح الحق. (71% من الإنجيليين يؤمنون بهذا السيناريو).
الكاتبة الأمريكية جريس هالسل التي الفت كتابين عن الأصوليين الإنجيليين أو ما سمي بالصهيونية المسيحية، تحدثت في كتابها «يد الله» عن الحضور الإعلامي القوي لتلك الحركة في الولايات المتحدة. فذكرت أنها تملك وتشرف مباشرة على مائة محطة تليفزيون وألف محطة إذاعية. ويتسع نشاطها الكنسي على نحو مثير للانتباه، حيث يبشر بتعاليمها 80 ا لف قسيس، وفي الثمانينيات وحدها تم إنشاء 250 مؤسسة وجمعية دينية في الولايات المتحدة مؤيدة لإسرائيل في إطار الرؤية الصهيونية المسيحية. ومن ابرز قساوسة هذه الكنسية الإنجيلية، رجال يكنون عداء شديداً للإسلام والمسلمين والعرب عموما، مثل هول ليندسي وجيري فولويل وبات روبنسون وبيللي جراهام، والأخير هو المرشد الروحي للرئيس بوش، الذي تحدث عنه قائلاً انه «أرشدني إلى الطريق حيث بدأت امشي. وكانت تلك بداية اعظم تغيير في حياتي».
(3)
فكرة توطين الفلسطينيين خارج إسرائيل، والرفض القاطع لعودة اللاجئين، الذي دعا إليه الرئيس بوش في مؤتمره الصحفي مع شارون يوم الأربعاء الماضي، كان على رأس جدول أعمال المؤتمر السنوي لعام 2003، الذي ينظمه في واشنطون «التحالف المسيحي» (إحدى منظمات الصهيونية المسيحية). فموضوع المؤتمر الرئيسي كان حول «إسرائيل والعرب» - وقد اختار منظموه شعاراً تمثل في النص الذي ورد بالجزء 33 من التوراة، الذي ينسب إلى الله تعالى قوله للنبي موسى انه «أعطى بني إسرائيل حق وراثة ارض كنعان»، كما ينسب إليه قوله أيضاً: عليك بطرد كل سكان الأرض.. وإذا لم تخرجهم جميعاً أمامك، فان الذين سيبقون سيكونون كالقش في عيونكم، وكالأشواك في خواصركم. وانهم سوف ينغصون عليكم صفو حياتكم في الأرض التي تعيشون فيها». وهي إشارات لا تعني عند المؤمنين سوى شيئاً واحداً هو: ضرورة طرد كل الفلسطينيين من فلسطين!؟ وهو ما لم يقصر فيه المتحدثون إلى المؤتمر الذي حضره عدد من زعماء الليكود وبعض الساسة الأمريكيين، كان في مقدمتهم زعيم الأغلبية في الكونجرس ويب توم دي لاي. إذ كان المحور الأساسي للكلمات التي ألقيت يتمثل في ضرورة تحقيق الإرادة الإلهية بإقامة إسرائيل من النهر إلى البحر، على أن تكون دولة يهودية صافية يستأصل منها العرب، حتى لا يبقى فيها «قش في العيون أو أشواك في الخواصر». أما بالنسبة للقدس، فان رئيس حزب مولدت الإسرائيلي ووزير السياحة السابقة بني ألون، حسمه بعبارة احتفى بها الحضور قال فيها: «أن الله هو الذي أعلن هذه المدينة عاصمة لإسرائيل، وما يريده الله لا يغيره البشر».
مؤلف كتاب «الدين في القرار الأمريكي»، الباحث اللبناني الأستاذ محمد السماك، عرض هذه الخلفية، وعلق عليها قائلاً أن خطورة هذه الحركة الدينية تكمن في أنها تجعل من السياسة الخارجية الأمريكية القائمة على أساس دعم إسرائيل ومحاربة أعدائها، الوجه الآخر للسياسة الداخلية. كما تكمن في الإيحاء بان مساعدة إسرائيل هو واجب ديني على كل أمريكي.. وان هذا الواجب يحتم القضاء على أعدائها، على النحو الذي رددته رئيسة التحالف المسيحي، روبرتا كومبس، في كلمتها الافتتاحية للمؤتمر.
لم يقف الأمر عند حد اعتبار مساعدة إسرائيل والتمكين لها في فلسطين واجباً دينياً، وإنما نجح لاهوتيو الحركة الصهيونية المسيحية في ربط الوقائع السياسية بالنبوءات التوراتية. وهو ما برع فيه القس هول ليندسي، الذي ادعى أن النبوءات التوراتية تضمنت إشارات إلى وقائع وأحداث مثل صعود الأصولية الإسلامية، وانهيار عملية السلام في الشرق الأوسط، وتشكيل الاتحاد الأوروبي. حتى عملية غزو العراق التي قادتها الولايات المتحدة في عام 2003، دخلت ضمن تأويلات قساوسة الحركة الصهيونية المسيحية للنبوءات التوراتية. فالقس ديفيد بركيز ذكر أن تدمير بابل الذي ورد في الإصحاح 18 يعني تدمير العراق. وآخر هو القس تشالز واير أستاذ اللاهوت في جامعة دالاس، ادعى أن إصحاح اشعيا 13 أشار إلى قيام صدام حسين بغزو الكويت، لإقامة قاعدة للهجوم على إسرائيل.
في الشق الذي يعنينا فان الترجمة السياسية العقدية التي يؤمن بها الأصوليون الإنجيليون الذين يعدون الرئيس بوش واحداً منهم، يمكن تلخيصها فيما يلي: احترام إسرائيل وتقديسها واجب ديني، يجب مساعدتها على بسط سلطانها على كل فلسطين بتشجيع قيام المستوطنات وتهويد الضفة الغربية (السامرا)، القدس جزء من «الأرض الموعودة» لا تنفصل عنها وإلا اعتبر ذلك تحدياً لإرادة الله، بناء الهيكل من شروط العودة الثانية للمسيح ولذلك يتعين إزالة العقبات التي تحول دون ذلك وفي مقدمتها وجود المسجد الأقصى في مكانه، الإيمان بحتمية معركة هرمجيدون يقتضي تعطيل مساعي التسوية والسلام لاستمرار الاضطراب في المنطقة، لان وجود ذلك الاضطراب تمهيد لوقوع المعركة ومن ثم التعجيل بعودة المسيح، في حين أن السلام يعطل هرمجيدون.
(4)
لاءات الرئيس بوش التي أعلنها بدت مستلهمة من تلك التعاليم، بدءاً من الإسراف في التمكين لإسرائيل والاستجابة لتطلعاتها وانتهاء بنسف مساعي التسوية والسلام. وغني عن البيان انه حين فعل فعلته اسقط من حسبانه تماماً الفلسطينيين والعرب أجمعين، بل تعامل معهم وكأنهم غير موجودين لا على خريطة السياسة ولا على خرائط الجغرافيا. وإذ تصدمنا الحقيقة المفجعة، فإنها تطرح اكثر من سؤال عن سبب ذلك التغييب، وعن كيفية إيصال رسالة الغضب إلى الإدارة الأمريكية.
أما لماذا ألغى الرئيس بوش العرب من حساباته، فأحد الردود على السؤال تتمثل في كونه أسير معتقداته الدينية وحساباته الانتخابية. ولكن هناك عنصر آخر لا يمكن تجاهله يتمثل في اطمئنانه إلى أن العالم العربي صار في اضعف حالاته لأسباب عدة، في مقدمتها سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، الأمر الذي دفع دوله إلى التسابق في استرضاء الولايات المتحدة بمختلف السبل. حتى أن التحالف مع واشنطن الذي عرفناه مسبَّة في الستينيات، صار الآن وساماً يتباهى به بعض العرب بحمله فوق صدورهم. بل إن الإدارة الأمريكية بعد تزاحم «المريدين» على أبوابها أصبحت تصنفهم درجات، فهذا «صديق» وهذا «حليف» وذاك «حليف متين» واكثر الجميع ولاء وامتثالاً عُد «حليفاً استراتيجياً».. وهكذا.
الخلاصة أن واشنطون أصبحت مطمئنة إلى أن العالم العربي قد تم تدجينه وتطويعه، الأمر الذي جعل دوله في حالة «تجاوب» مستمر مع سياساتها واطروحاتها، دعك من الاستثناء، خصوصا أن تلك الدول، لأسباب يطول شرحها، أصبحت معتمدة على الولايات المتحدة إما اقتصادياً أو عسكرياً، وبالتالي فلم يعد بمقدورها أن تقول «لا» للولايات المتحدة. والشواهد على ذلك بلا حصر، حيث تشمل المسافة بين تغيير مناهج التعليم إلى غزو العراق. وإزاء شيوع حالة الانصياع وعدم الممانعة فان الإدارة الأمريكية لم تنشغل بصدى لاءاتها في العالم العربي، على الرغم من أنها في نهاية المطاف تمثل تهديداً للأمن العربي فضلاً عن إهدارها للحقوق الفلسطينية. ومن مفارقات القدر وسخرياته انه كما حدث في تجربة غزو العراق فان واشنطون سوف يقلقها الموقف الأوروبي، بأكثر ما يقلقها الموقف العربي، علماً بأن المصالح العربية العليا في الحالتين هي الضحية وهي المضرور الأكبر.
(5)
أدري أن دعاة الانصياع والانبطاح سيسارعون إلى دعوتنا للانحناء للعاصفة و «ضبط النفس» والتحلي «بالواقعية» التي أصبحت عنواناً للاستسلام وتسويغاً للهزيمة، لكننا ينبغي ألا ننصت لدعواتهم المشبوهة، ونستبعد السؤال هل نغضب أم لا؟، لان السؤال الذي يخطر على بال الشرفاء وكل الوطنيين في العالم العربي هو: كيف نعبر عن الغضب ونوصل رسالته إلى الجميع؟
لأن الأمر يتعلق بالمصير العربي ومستقبل الأمة، فهناك ثلاثة مستويات للتحرك، ينبغي أن يتحمل كل مستوى مسئوليته فيها. هناك مستوى الحكومات العربية التي لا بد أن تعلن موقفاً شجاعاً في نقد الموقف الأمريكي، وحازماً في استهجان المسلك الإسرائيلي. فما عبر به الرئيس بوش لا يهدم عملية السلام فحسب، ولكنه يصادر أية إمكانية لاستمرار ما يسمى بالصداقة مع العالم العربي. إذ انه باختياراته وقف بصراحة دون مواربة في صف العداء للامة العربية. أما المسلك الإسرائيلي فلا يرد عليه إلا بوقف أي اتصالات مع تل أبيب وتجميد أية علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، مع اعتبار دبلوماسيها في بعض الدول العربية أشخاصاً غير مرغوب فيهم، إذ صاروا يمثلون حكومة من القتلة ومجرمي الحرب.
هناك ثانياً مستوى القمة العربية التي لن يكون هناك مبرر لانعقادها في هذه الأجواء إذا لم تتوافق إرادات الزعامات العربية على نقد الموقف الأمريكي بصراحة وشجاعة، إذا لم يكن هناك استعداد لوقف أية اتصالات مع إسرائيل وطرد ممثليها في بعض العواصم العربية.
هناك ثالثاً موقف الجماهير العربية التي هي مطالبة بأمرين، أولهما رفع صوت الغضب والاستهجان عالياً، من خلال منابر الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ومختلف التجمعات الأهلية الأخرى. وثانيها أن تترجم تلك المشاعر إلى أفعال، من قبيل التجاوب مع الدعوة التي أطلقتها النقابات المهنية المصرية لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية لمدة أسبوع (من 25/4 إلى 2/5)، وان لم افهم لماذا لا يكون موقفاً يتجاوز هذه المدة القصيرة، وفي الوقت ذاته إطلاق حملة تضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للقهر والإبادة، بتعزيز صموده عبر تكثيف حملات إغاثته، وتوسيع نطاق التبرع لمؤسساته التي ترعى أرامل الشهداء وأبنائهم، وتحاول تخفيف وطأة الآلام والأحزان التي تزلزل الجبال الرواسي.
افعلوا شيئاً أيها السادة، فالطوفان القادم سوف يجرف الجميع بلا رحمة
لتصلك المعلومات
عند الاشتراك في المدونة ، سنرسل لك بريدًا إلكترونيًا عند وجود تحديثات جديدة على الموقع حتى لا تفوتك.
By accepting you will be accessing a service provided by a third-party external to https://almaze.co.uk/
تعليقات