يكشف الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي أُعدم نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2006 في وثائق سرية أفرج عنها الأرشيف القومي الأميركي الأربعاء الماضي خفايا كثيرة عن حروبه وأيامه الأخيرة في الحكم وحتى اعتقاله وظروفه في السجن.
والوثائق التي تواصل «الشرق الأوسط» اليوم نشرها اليوم هي عبارة عن محاضر 20 استجوابا رسميا وخمسة محادثات عادية أجراها جورج بيرو، وهو محقق من مكتب المباحث الفيدرالي الأميركي «إف بي آي»، للرئيس السابق ما بين 7 فبراير (شباط) و28 يونيو (حزيران) 2004. ويغطي صدام في أجوبته على أسئلة المحقق في الجلسة الثانية من الاستجواب في 8 فبراير (شباط) 2004 ويقول إن إيران كانت تخرق اتفاقية الجزائر 1975 التي تتعلق بشط العرب وكانت تتدخل في السياسات العراقية وهو ما يعد كذلك خرقا للاتفاقية. وفي رأي صدام حسين، فإن ذلك لم يترك أمام العراق خيارا سوى القتال. وبعد ذلك دخل العراق الحرب وضحّى من أجل إنهاء ذلك التدخل الإيراني في العراق.
ويضيف صدام أن آية الله الخميني كان يعتقد أن السكان من الشيعة في جنوب العراق سوف يتبعونه خصوصا خلال الحرب مع العراق. ولكن وفقا له، فإنهم لم يرحبوا به. وفي الحقيقة، فقد ظل الشيعة على ولائهم للعراق وحاربوا الإيرانيين. ويقول صدام إن الجيش الإيراني في 1980 كان ضعيفا ويفتقر إلى القيادة ولكن تحت قيادة الخميني فإنه «تقدم بالآلاف» ضد القوات العراقية. ويضيف: «إذا كان جيش الشاه ما زال موجودا، كنا قد هزمناهم في الشهر الأول». وعندما سئل عما إذا كان استخدام الأسلحة الكيماوية ضد إيران خلال الفترة الدفاعية من الحرب كان مرهونا بالضرورة، كأن تكون العراق، على سبيل المثال، على وشك خسارة الحرب إن لم تستخدمها، فرد صدام قائلا: «إنه لا يملك إجابة على ذلك ولن يجيب عليها».
وفي جلسة الاستجواب الثالثة في 10 فبراير (شباط) 2004، يدلى صدام بتعليقات حول الوضع الفلسطيني ويرى أن «الحل الذي لن يقنع أغلبية الفلسطينيين لن يكون حلا ناجحا». ويجب أن يكون أساس أي حل هو التسوية النهائية، عن طريق تأسيس دولة فلسطينية منفصلة. ويقول إن العراق حارب في 1973 على جبهتين، وشاركت قواته الجوية في مصر وسورية وقاتلت قوات مشاة في سورية. وبالنسبة إلى ما قيل عن عدم «ترحيب» الجيش السوري بالقوات العراقية في 1973، قال صدام: «لا يوجد كرماء مثل العراقيين». واعترف صدام بأن الحكومة العراقية أنشأت واستأجرت منازل للفلسطينيين من أصحاب الأراضي العراقيين. وقال صدام: «كنا نشعر بالقلق بخصوص كل شخص في العراق، ولم نكن نريد أن نتركهم يعيشون في الشوارع. الأشياء مثل الطعام والعمل والمنازل ضرورية للمحافظة على الكرامة». وقال صدام إن بعض الناس اتهموا العراق بمحاولة إزالة الفلسطينيين. وأضاف على النقيض: «لم نكن نستطيع أن نطرد ضيفا».
ويقول صدام إن تنظيمات فلسطينية، ومنها فتح، كان لديها مكاتب في بغداد. ولكن في عام 1978 أغلقت فتح مكاتبها ويقال إنها قامت بتوزيع منشورات. واعترف صدام بأن محمد عباس، المعروف باسم أبو عباس، كان موجودا داخل العراق في مرحلة ما. ولم يقر صدام بتقديم مساعدة محددة إلى أبو عباس. وقال: «إذا قبلنا شخصا كضيف، يجب أن نقدم له المساعدة. ولكن، لا يمكن لضيف أن يطلب ما يريد على الإفطار والغداء والعشاء».
* صدام: لو واجهنا جيش الشاه في حرب إيران لهزمناه في الشهر الأول ـ قال لمحققه الأميركي ان الخميني ظن ان شيعة العراق سوف يتبعونه لكنهم لم يرحبوا به * جلسة الاستجواب الثانية ـ 8 فبراير (شباط) 2004
* قال صدام إن المزرعة التي ألقي القبض عليه فيها في ديسمبر (كانون الأول) 2003 كانت هي المكان نفسه الذي بقي فيه في عام 1959، بعدما هرب من بغداد، نظرا لاشتراكه في محاولة اغتيال فاشلة لرئيس العراق حينئذ عبد الكريم قاسم.
وتم سؤال صدام حسين، ما إذا كان قرار الدخول في حرب ضد إيران في سبتمبر (أيلول) 1980، كان قائما على تهديدات من إيران، أو أن الحرب كانت طريقة لاستعادة أرض عربية عراقية خاصة نهر شط العرب. وقال صدام: «نحن نعتبر أن الحرب قد بدأت في 4 سبتمبر (أيلول) وليس في 22 سبتمبر (أيلول)، كما يقول الإيرانيون.» ثم استطرد حسين، فمثلا إذا كان هناك فلاح يسكن إلى جوارك. يفضل حسين، أن يستخدم الأمثلة الريفية لأنها لها دلالة خاصة عنده. وفي أحد الأيام يضرب ابن جارك ابنك. وفي اليوم التالي يزعج ابن الجيران أبقارك. ثم يدمر ابن الجيران مزرعتك بإفساد نظام الري. ففي النهاية وبعد عدة حوادث، فإذا حدثت كل تلك الأمور، فإنك تذهب إلى جارك وتخبره بكل تلك الانتهاكات حدثا بحدث، وتطلب منه أن يتوقف. وعادة ما يكون الحديث مع الجار أو تحذيره كافيا لوقف تلك السلوكيات. ولكن في حالة إيران فإن ذلك التوجه من قبل العراق لم يفلح، فإيران في رأي حسين، كانت تخرق اتفاقية الجزائر 1975 التي تتعلق بالنهر.
كما أنه كان يعتقد بأن إيران تتدخل في السياسات العراقية، وهو ما يعد كذلك خرقا للاتفاقية. وفي رأي صدام حسين، فإن ذلك لم يترك أمام العراق خيارا سوى القتال. وبعد ذلك دخل العراق الحرب وضحى من أجل إنهاء ذلك التدخل الإيراني في العراق.
وقد قدم حسين، بعض الأفكار حول طريقة تفكير القيادة الإيرانية، خاصة آية الله الخميني، وقرار إيران بدخول الحرب. فعندما وصل الخميني إلى السلطة في عام 1979 كان لديه شيئان «متداخلان» في ذهنه. الأول أنه كان متعصبا دينيا يعتقد أن كل القادة مثل شاه إيران الشخص الذي انقلب عليه، وكان الخميني يعتقد منذ أن خلع الشاه ببساطة، أنه يمكنه أن يفعل ذلك في أي مكان آخر بما يشمل العراق. والأمر الثاني هو أن الخميني كانت لديه عقدة تتعلق بتركه، أو طرده من العراق قبل ذلك في أواخر السبعينيات.
وكان الخميني الذي تم نفيه من إيران ينزل «ضيفا» على العراق، الذي منحه «ملجأ» في النجف، وعندما كان هناك بدأ يتحدث ضد الشاه والحكومة الإيرانية.
ولم يكن الخميني ـ في رأي حسين ـ يحترم نص معاهدة (معاهدة الجزائر) بين العراق وإيران، وكان يتدخل في الشؤون الإيرانية. وقد أخبرت الحكومة العراقية الخميني بموقفها، وأخبروه، «أنت ضيفنا، ولا يستطيع أحد أن يطلب منك أن ترحل أو أن يقوم بتسليمك». فقد حاول الشاه في الواقع أن يجعل حسين يعيد الخميني إلى إيران، ولكنه في الثقافة العربية، لا يمكن للمضيف أن «يتخلى» عن ضيفه.
ورفض الخميني أن يوقف نشاطاته ضد الشاه والحكومة الإيرانية، وقال الخميني، إنه إذا كانت سياسته ضد السياسة العراقية فسوف يرحل. وبعد ذلك، حاول أن يرحل إلى الكويت ولكن دخوله قد رفض. وقد سمح العراق له بالعودة لمدة ثلاثة أو أربعة أيام، واستجاب لطلبه بمساعدته على السفر إلى دولة أخرى. وسافر بعد ذلك الخميني إلى باريس بفرنسا.
وأكد حسين، أنه لا يندم على معاملته للخميني، فعندما سئل إذا كان الخمينى قد رفض الاعتراف بفضل العراق بعد عودته من الكويت، وهي الخطوة التي ربما كان سوف يترتب عليها رفض العراق بإدخاله وربما بترحيله إلى إيران، فقال حسين «لا. فإن ذلك لم يكن ليغير الموقف. فالناس لم تكن تريد الشاه». وقد أصبح الخميني رمزا للناس في إيران بعد رحيله من العراق نظرا لسنه، ونظرا لأنه كان قد «طرد» من إيران.
وقد أجاب حسين، بكلمة «ربما» فقط عندما سئل حول إذا ما كان آية الله سيد محمد الصدر ـ رجل الدين الشيعي المرموق، الذي أعدم في العراق في الثمانينيات ـ ربما كان قد تحول لرمز مثل الخميني.
وأضاف حسين إنه شخصيا كان رمزا، وأنه توجد صور له داخل المنازل وفي كل مكان آخر في العراق. وكان الخميني يعتقد أن السكان من الشيعة في جنوب العراق سوف يتبعونه، خاصة خلال الحرب مع العراق. ولكن وفقا لحسين: «فإنهم لم يرحبوا به». وفي الحقيقة، فقد ظل الشيعة على ولائهم للعراق وحاربوا الإيرانيين.
وقد اعترف حسين، بأن الجيش الإيراني في 1980 كان ضعيفا، و«يفتقر للقيادة: حيث إن معظم الضباط الكبار قد تم نقلهم خلال تغيير في أعقاب تغيير القيادة الإيرانية من الشاه إلى الخميني. وذلك على أي حال لم يؤثر على القرار بالدخول في الحرب مع إيران في ذلك الوقت». ويقول حسين: «إذا كان جيش الشاه ما زال موجودا، كنا قد هزمناهم في الشهر الأول». ولكن تحت قيادة الخميني ـ بالرغم من افتقاره للقيادة ـ فإن الجيش الإيراني بما يشمل الجيش والحرس الثوري «تقدم بالآلاف» ضد القوات العراقية. وقد حارب الجيش العراقي بشجاعة خاصة على الحدود.
وسئل حسين، عما إذا كانت محاولات الاغتيال الموجهة ضد مسؤولي الحكومة العراقية بمن فيهم وزير الخارجية طارق عزيز، ووزير الثقافة والمعلومات لطيف نايف جاسم، التي يعتقد أن المجموعات التي تدعمها إيران كانت تقوم بها قد أثرت على قرار دخول الحرب مع إيران، فأجاب حسين، إنه كان هناك «450 محاولة اعتداء» إيرانية على العراق قبل الحرب. وقد شملت تلك المحاولات 249 هجوما بما يشتمل على غارات أو غارات جوية.
وقد قدم العراق تلك المعلومات إلى الأمم المتحدة، وسدت إيران مجرى شط العرب وأغرقت السفن العراقية والأجنبية. وقبل 29 سبتمبر(أيلول) 1980 قصفت إيران مصافي تكرير النفط العراقية في البصرة والمدن الأخرى في جنوب العراق.
وكانت محاولات الاغتيال الموجهة ضد عزيز، وجاسم، وغيرهم ضمن الكثير من الأحداث التي أدت إلى اندلاع الحرب مع إيران.
وعندما سئل عن هدف الحرب، أجاب حسين، «اسأل طهران. فهم الذين بدأوا الحرب، وقد أوضحت كل أسباب الحرب قبل ذلك». وبعد إعادة السؤال عليه أجاب حسين، إن الهدف كان «منع إيران من التدخل في شؤونا الداخلية».
وقد كرر حسين، بعض المعلومات التي ذكرها سابقا، بما فيها حقيقة أنه يعتقد أن إيران اخترقت معاهدة 1975 (معاهدة الجزائر). وقد احتلت إيران معظم نهر شط العرب، بينما كانت الاتفاقية تنص على أحقيتهم في النصف فقط، ولم تستجب إيران للمساعي الدبلوماسية المتعلقة بتلك الحقائق.
وقال حسين، إن القوات العراقية قد نجحت في البداية واحتلت المدن والأراضي في جنوب إيران على الجانب الآخر من الحدود، بما يشمل المناطق في وبالقرب من المحمرة والأحواز ودزفول. ولم تتوغل القوات العراقية داخل إيران لأن هدفها المباشر كان وقف هجمات المدفعية من جانب إيران، التي كانت تنطلق من أماكن على مقربة من الحدود.
وبعد حوالي عامين، تم سحب القوات العراقية وأصبحت الحرب دفاعية بالنسبة لجيش صدام حسين. وعندما سئل حول السبب الذي جعل الحرب تتحول إلى حرب دفاعية بالنسبة للعراق، أجاب حسين بأنه «لا يمكن التخطيط للجيش العراقي مثلما يتم التخطيط للجيش الأميركي».
فمن وجهة النظر العسكرية فإن الخطط يتم وضعها وفقا للإمكانات. ويتفق الجيش على أنه كلما طالت خطوط الإمداد تظهر المشكلات. وقال حسين: «إن جندي اليوم ليس مثل الجندي قبل مائة عام». فهم جزء من «مجموعة عالمية» تسمع وترى أشياء في التلفزيون والراديو.
فالجندي هو «جزء من العالم» و«يتأثر» بذلك. فإذا أمر الجندي بأن يشن هجوما معاكسا فإن الجندي «الرابح» سوف يصل إلى الهدف ويتعداه. وقد وافق حسين على أن المرحلة العراقية الهجومية الأخيرة من الحرب في 1986 ـ 87 قد شهدت نجاحا كبيرا، بما يشمل الاستحواذ على ثلاثة أرباع الدبابات الإيرانية ونصف المدفعية وناقلات الأفراد المدرعة.
وقد ناقش حسين، الأسباب التي لم تجعله يتقدم داخل إيران، وكرر أن العراق قد استعاد مناطق كافية، وقضى على المدفعية الإيرانية المهددة له في السنوات الأولى من الحرب. وقال حسين: «إذا توغلنا داخل إيران، فسوف يعتقدون أننا نريد شيئا آخر». وأضاف: «لم نكن نواجه جيشا منظما، الذي يكون أسهل في التخطيط ضده». وقال حسين بعد ذلك، إنه بالنسبة للكثير من الجنود العراقيين، كانت تلك هي تجربة القتال الحقيقية. وقد شعر الكثير منهم بالغرور، خاصة بعد النجاح في التوغل في الأراضي الإيرانية، ولكنهم بعد عدة أيام بدأ الكثير منهم يتساءل «لماذا أنا هنا»؟.
وكما أكد قادة الجيش لصدام حسين، فإن الكثير من الجنود كانوا يفضلون الدفاع عن الحدود والبقاء في العراق. ومن ثم، كان يجب سحب القوات العراقية من الأراضي الإيرانية قبل أن يحدث أي تغيير في تلك العقلية.
وكان بعض قادة الجيش يريدون البقاء، بينما كان البعض الآخر يريد الانسحاب.
وبعد عامين من الحرب، شعر بعض قادة الجيش العراقي بأن إيران «تعلمت درسها» وأوصوا بالانسحاب.
وقد احترم حسين المعلومات التي تأتي إليه من قادة الجيش، وأمر بانسحاب القوات العراقية.
يقول حسين، في العادة لا تكون العمليات الدفاعية «جيدة من وجهة النظر التكتيكية» ولا جيدة بالنسبة لمعنويات الجنود.
ويقول حسين: «فإذا لم يكن الجندي يرى الأمر منطقيا لن يؤدي بالكفاءة نفسها أو يطيع. أما إذا تقبل المهمة كمهمة مقنعة فسوف يمتثل للأوامر. فيجب أن يكون الجندي مقتنعا، وإلا سيصبح الانضباط مشكلة». وقد علق صدام على الحالة العقلية الحالية للجنود الأميركيين في العراق قائلا: «إذا سألت الجندي الأميركي ـ الذي أتى للعراق للبحث عن أسلحة الدمار الشامل، ولم يجد أيا منها، الذي أتى لخلع القادة في حكومة حسين الدكتاتورية، الذين يقبعون جميعهم في السجن حاليا، ولكنهم استبدلوا بقادة دكتاتوريين آخرين ـ سواء كان يريد أن يبقى أو أن يذهب، فسوف يقول إنه يريد أن يذهب».
عندما سئل عما إذا كان استخدام الأسلحة الكيميائية ضد إيران خلال الفترة الدفاعية من الحرب كان مرهونا بالضرورة، كأن تكون العراق، على سبيل المثال، على وشك خسارة الحرب إن لم تستخدمها، فرد صدام قائلا: «إنه لا يملك إجابة على ذلك، ولن يجيب عليها». وعندما سئل عما إذا كان يعتقد أن العراق كان سيخسر الحرب مع إيران خاصة في أعقاب عام 1982، وخلال الفترة الزمنية من 1984 إلى 1986، رد صدام «كلا، ولا لمجرد ثانية واحدة. قلت ذلك على التلفزيون، وقلتها أيضا في خمس رسائل بعثت بها إلى إيران». أكد صدام عبر الرسائل على قوة الجيش العراقي وأوضح أن بعض القادة العراقيين أبدوا استياءهم من إبراز تلك المعلومات فيما صدقه العراقيون. وبالعودة إلى استخدام الأسلحة الكيميائية العراقية قال صدام: «لن تتمكنوا من إحراجي أو خداعي بشأن مسائل فنية، ولن يجعلك ذلك تشعر بتحسن. لقد دفعت الولايات المتحدة ثمنا باهظا نتيجة أخطائها هنا في العراق والعالم، وستستمر في دفع ثمن في العالم». وقال صدام: «إن إيران لم تفهم الرسالة بعد أن انسحب الجيش العراقي إلى حدوده» وأضاف: «إذا لم تكسر رؤوسهم فلن يفهموا».
وأشار إلى أن العراق «لم يكن يدين بالكثير من المال في أعقاب الحرب مع إيران، وأن العراق تلقى مساعدات من الدول العربية، كان يعتقد أنها مساعدات وليست قروضا. بيد أن تلك الدول بدلت رأيها بعد الحرب وطالبت بردها. ورأت بعض الدول العراق كتهديد عسكري، ولم ينظر لإيران على أنها تهديد عسكري، لأن قواتها العسكرية دمرت خلال الحرب. وضحك صدام على تلك النقطة.
وأوضح صدام أنه وافق على قرار الأمم المتحدة الصادر في 28 سبتمبر (أيلول) 1980، الذي طالب بوقف الاعتداءات مع إيران، بيد أن إيران لم توافق على القرار. وأضاف أن العراق وافق أيضا على قرار الأمم المتحدة رقم 598 الصادر عام 1987، الذي طالب بإنهاء هذه الحرب، ولم توافق إيران على هذا القرار أيضا. وقد حاول العراق مرات عديدة خلال الحرب الدخول في محادثات مع إيران لوقف المعارك. وقال صدام «فعلنا ذلك في الوقت الذي لم نكن مضطرين فيه للقيام بذلك». لمصلحة الشعبين والإنسانية ولم تقبل إيران بوقف الحرب إلا عام 1988 بعد أن خسرت الحرب.
وبشأن النتائج التي توصلت إليها الأمم المتحدة بشأن استخدام العراق للأسلحة الكيميائية خلال الحرب العراقية الإيرانية: «إن التاريخ قد كتب ولن يتم تغييره، ولا يمكن لأحد أن يوقف كتابة التاريخ». وأوضح صدام أن إيران استخدمت هي الأخرى الأسلحة الكيميائية للمرة الأولى في المحمرة (التي تسمى باسم خورامشهر في إيران) في سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الثاني) 1981، وعندما سئل عما إذا كان يجب على العراق استخدام الأسلحة الكيميائية للأغراض الدفاعية رد بالقول: «لن أجيب، مهما كانت صيغة السؤال». وقال صدام: «سأتحدث عن كل شيء عدا ما يضر بشعبي وأصدقائي أو جيشي». قدم صدام تفاصيل حادثة 1964 الخاصة بأحمد حسن البكر، الأمين العام لحزب البعث. وقد اعتقل البكر وصدام، الذي كان يشغل حينئذ رئيس الفرع العسكري في حزب البعث، للتخطيط للقيام بانقلاب على عبد السلام عارف، الرئيس العراقي آنذاك، وقد اعترف صدام بالمسؤولية الكاملة على ذلك، ولم يقدم أي معلومات ضد أي شخص آخر. وقال صدام: «ليس من العدالة أن يلقي القائد باللائمة على الآخرين، فإذا ما قال أحدهم إن صدام أمرني أن أفعل ذلك، فتلك ليست مشكلة بالنسبة لي ولا تضره». * صدام عن عدم ترحيب الجيش السوري بالقوات العراقية في 1973 : لا يوجد كرماء مثل العراقيين ـ لم يقر بتقديم مساعدة محددة إلى أبو عباس لكنه قال«إذا قبلنا شخصا كضيف يجب أن نقدم له المساعدة * محضر جلسة الاستجواب الثالثة ـ 10 فبراير (شباط) 2004 * أدلى صدام بتعليقات حول الوضع الفلسطيني. يجب أن تكون أي محاولة لفهم جذور المشكلة التي تحيط بالقضية الفلسطينية من وجهة نظر عربية وليس من مجرد وجهة نظر فلسطينية، فهي ليست مجرد مشكلة فلسطينية ولكنها أيضا مشكلة عربية. وفي الستينيات من القرن الماضي، ظهرت العديد من الثورات داخل دول عربية وكانت تحدث بصورة عامة نتيجة لعدم رضا الشعوب عن حكامهم في ذلك الوقت. ومن ناحية، يرجع سبب الإطاحة ببعض القادة إلى فشلهم في التعامل مع القضية الفلسطينية بالصورة المناسبة أو إلى تجاهلهم إياها كلية. ويجب أن يعتمد أي حل للمشكلة على العدالة والقانون الدولي. ولكن، تسبب القانون الدولي وتطبيقه في مشكلة عام 1948 بعد تأسيس دولة إسرائيل اليهودية على أراض كانت في حوزة الفلسطينيين. ويجب عرض حل من هم في الخارج ومن هم في الداخل في القضية في هذا الإطار، فالجميع يبحث عن حل. ولكن، قال صدام: «الحل الذين لن يقنع أغلبية الفلسطينيين لن يكون حلا ناجحا.» ويجب أن يكون أساس أي حل والتسوية النهائية، عن طريق تأسيس دولة فلسطينية منفصلة. وعندما سُئل صدام عن خطاب كان قد أدلى به حول ثورة 1968 في العراق، وافق على أنه قال معلقا خلال الخطاب: «نحن لم نقم بثورة ضد شخص، نحن قمنا بثورة ضد نظام الحكومة.» ووافق على أنه قال إن الثورة قامت «لدفع الشعب العراقي والدولة والعالم العربي في المجمل والفلسطينيين قدما.» وأضاف أن حزب البعث كان الحزب السياسي الوحيد الذي تظاهر ضد الحكومة العراقية عام 1967. وبالنسبة لحرب الأيام الستة بين العرب وإسرائيل عام 1967، قال صدام كان العرب يأملون في استعادة الأراضي التي ضاعت عام 1948. وقال صدام: «شعرنا بالحزن عندما لم يحدث ذلك.» ومع أن الآمال في النجاح كانت ضعيفة، فقد كانت الأخبار مثبطة على نحو خاص عندما نشرت التفاصيل عن الهزيمة السريعة للقوات المسلحة السورية والمصرية. وشعر العالم العربي «بالحزن والإحباط»، ونما شعور بالرغبة في الثورة. وعلى الرغم من خسارة حرب 1967، كان صدام لا يزال يحترم الرئيس المصري جمال عبد الناصر بعد الحرب. وفي رأي صدام، فإن عبد الناصر «كان يمكنه أن يمثل العرب أمام العالم»، بينما كان الآخرون «ضعاف». وفي هذا الوقت، كان عبد الناصر الحاكم الوحيد الذي له علاقة قوية بـ«الجموع العربية». وعلى الرغم من خسارة العرب، لم يفقد عبد الناصر احترام الشعب. ولكن، كانت آمال الشعب أكبر مما يمكن أن يحققه عبد الناصر. وأظهرت خسارة الحرب حدود قدرات عبد الناصر والقوات المسلحة المصرية. وأشار صدام إلى أن الحرب أظهرت قضايا داخلية تخص القيادة المصرية، فلم يكن يسمح عبد الحكيم عامر، قائد القوات المسلحة المصرية، بـ«تدخل» عبد الناصر في الشؤون العسكرية. «مع أن عبد الناصر كان رئيس البلاد». وعندما تنحى عبد الناصر بعد ذلك، تظاهر ملايين المصريين من أجله كي يعود لتولي مهامه كرئيس. وكان يبدو لصدام أن «عبد الناصر اعتمد على السياسة الدولية وليس على استعداد قواته المسلحة وشعبه» في الفترة التي سبقت الحرب. وعندما مات عام 1970، «بكى المواطنون». وبالنسبة للحرب بين العرب وإسرائيل عام 1973، لم يتمكن الرئيس المصري (أنور) السادات، الذي كان نائبا للرئيس في رئاسة عبد الناصر، من استعادة آمال العرب. وبدا أن السادات ليس له قضية أو هدف محدد وأنه غير قادر على القيام بأي شيء بخصوص 1948 و«اغتصاب فلسطين». ولأن السادات لم يكن «رجل قضية»، لم يكن يمثل عنصر دفع للجنود المصريين. وبنفس الصورة لم يكن هناك ما يستثير الشعب المصري. وفي الواقع، فإنه خلال هذه الفترة، كان المصريون يستهزئون بجنودهم ويقولون طرف عن الجيش قائلين أنهم لم يحاربوا في 1967. ومع ذلك، جعل السادات، معتمدا على شخصيته، الولايات المتحدة وإسرائيل تعتقدان أنه يمكن الفوز في حرب مع إسرائيل. وعندما سُئل عن قدرة السادات على القيام بالكثير في النهاية من أجل شعبه مقارنة بعبد الناصر، ولاسيما فيما يتعلق بقضية السلام واستعادة الأراضي، قال صدام أن أثر عبد الناصر كان «ضئيلا». وأضاف: «إذا قلت للعراقيين أن الكويت سوف تكون جزء من العراق، سوف يكونوا سعداء.» والأمة العربية، من الفقراء إلى الأثرياء، عبارة عن أمة لها نفس اللغة وحدود مشتركة ونفس الأهداف. وهناك عالم عربي واحد، من «المواطن البسيط إلى المشرعين والمفكّرين». وتعتمد قوة أي شخص داخل «عائلة» على التعاون والحب بين بعضهم بعضا في «العائلة». وإذا كان هناك شخص داخل «العائلة» لا يفهم هذا، فإنه سوف يكون «ضعيفا ويسقط». ولم يكن السادات مخلصا لقضايا «العائلة». وقبل حرب 1967، كانت الضفة الغربية والقدس تحت سيطرة الأردن فيما كانت غزة تحت سيطرة مصر. ولم تعد اتفاقية السلام التي وقعها السادات مع الإسرائيليين الأراضي إلى أصحابها الحقيقيين: الفلسطينيون. وعليه، كان السادات «خائنا للقضية». وأعادت إسرائيل برغبتها وحسب شبه جزيرة سيناء حيث كانت «عبئا عسكريا» وكانت «خطوة سياسية» سهلة. وخسر السادات الاحترام نتيجة للاتفاقات التي توصل إليها مع إسرائيل. وعلاوة على ذلك، تراجع الاقتصاد المصري بدرجة كبيرة تحت قيادته. وعلى النقيض، ازدهر الاقتصاد المصري تحت عبد الناصر وكانت الأسواق المصرية مفتوحة أمام جميع الدول العربية. وقال صدام: «الوصول إلى سلام ليس سهلا»، والسلام دون قضية سوف يتسبب في تغير التوازن. وبالنسبة لتعليق لصحافي بريطاني قبل عامين تقريبا، لم يكن صدام يعني أن السلام يمكن أن يتحقق عن طريق فقدان الصدق والهيبة. وعلى النقيض، يمكن التفاوض بخصوص أي سلام «من موقع القوة». وقال صدام إن العراق حارب في 1973 على جبهتين، وشاركت قواته الجوية في مصر وسورية وقاتلت قوات مشاة في سورية. وعندما سُئل هل كان يمكن للعراق أن يبذل ما هو أكثر، رد صدام: «ماذا كان يمكننا أن نقوم به أكثر من ذك؟ لقد أرسلنا جميع قواتنا للقتال تحت القيادة المصرية والسورية.» وقبل الحرب، كانت مصر قد أرسلت نائب الرئيس آنذاك (محمد حسني) مبارك إلى العراق ليطلب الحصول على طائرات وطيارين لاستخدامهم في هجوم على مواقع صواريخ أرض-جو إسرائيلية. وقدّم العراق الطائرات على الرغم من أنهم كانوا يقاتلوا الأكراد في الشمال. وطلب السوريون مساعدة العراق بعد بدء الحرب، قائلين إن إسرائيل سوف تحتل سورية دون مساعدة العراق. وبالنسبة لما قيل عن عدم «ترحيب» الجيش السوري بالقوات العراقية في 1973، قال صدام «لا يوجد كرماء مثل العراقيين.» وسُئل صدام أكثر عن تعليقاته بخصوص عدم قيام أو رفض الجيش السوري تقديم خرائط ومعدات اتصالات وغيرها من المساعدات للقوات العراقية مع أنها كانت ضرورية للقتال سويا. ورد صدام: « لا يعرف الخاسر رأسه من قدميه، وكان موقفا صعبا لا يسمح بأن نكون سويا بهذه الصورة.»، وقال «ربما لم يكن لدى السوريين خرائط.» وكان الضباط العراقيون معتادون على معاملة مختلفة داخل الجيش. ويقبل العراق دوما لاجئين فلسطينيين داخل البلاد، مثلما حدث خلال فترة صدام وقبلهما. وكان تدفق اللاجئون بعد 1948 بعد تأسيس دولة إسرائيل وبعد سبتمبر (أيلول) 1970 (أيلول الأسود في الأردن)، وفي عام 1991 بعد حرب الخليج الأولى. وقال صدام: «رحبنا بهم ووفرنا لهم وظائف وأعطينا لهم حق امتلاك الأراضي والمنازل.» وكانت السياسة الأخيرة الخاصة بالمنازل تتناقض مع مبدأ جامعة الدول العربية التي لم تكن تسمح للفلسطينيين بأن يمتلكوا أماكن أقامة. وفي رأي صدام، افترض أعضاء جامعة الدول العربية أن الفلسطينيين لن يرحلوا إذا أصبحوا يمتلكون أمكان للإقامة. ولكن لم يوافق صدام على هذه السياسة «لأسباب إنسانية». وعندما عرض صدام موقفه، وافقت القيادة العراقية على هذا. وبالنسبة للفلسطينيين داخل العراق «ساعد ذلك على العيش حياة طبيعية.» واعترف صدام بأن الحكومة العراقية أنشأت واستأجرت منازل للفلسطينيين من أصحاب الأراضي العراقيين. وقال صدام: «كنا نشعر بالقلق بخصوص كل شخص في العراق، ولم نكن نريد أن نتركهم يعيشون في الشوارع. الأشياء مثل الطعام والعمل والمنازل ضرورية للمحافظة على الكرامة.» وقال صدام إن بعض الناس اتهموا العراق بمحاولة إزالة الفلسطينيين. وأضاف على النقيض «لم نكن نستطيع أن نطرد ضيفا.» ولا يتذكر صدام هل قامت الحكومة العراقية بدفع جميع أم جزء من الإيجار طوال الوقت أو خلال مدة محدد بالنسبة لإقامة الفلسطينيين في العراق. ولا علم لدى صدام بخصوص أصحاب المنازل الذين يقاضون الحكومة لعدم دفع الإيجار، وخاصة في الفترة من مطلع التسعينيات إلى منتصفها، وقد خسر هؤلاء القضية لصالح الحكومة. وقال صدام: «لو كنا وعدنا بالدفع، لكنا قد فعلنا. وإذا كانوا قد خسروا القضية، فبالتأكد لم تكن الحكومة قد وعدت بالدفع.» ورفض صدام القول بأن هناك قانون يسمح للحكومة بـ«استئجار» منازل دون دفع الإيجار إلى صاحب العقار. وقال: «هذا غير صحيح، لا يوجد مثل هذا القانون. هذا قانون الاغتصاب أو قانون الغابة.» وطلب صدام أن يرى القانون على الورق. وعلق صدام على قمة الرباط عام 1974 عندما قيل أن الحكومة العراقية تنازلت عن إيمانها بالـ«الكفاح المسلح» من أجل فلسطين وقبلت «استراتيجية تعتمد على مراحل». وقال صدام أن هذا كان المؤتمر الأول الذي يحضره، ففي المعتاد، كان وزير الشؤون الخارجية العراقي يحضر نيابة عن الحكومة. وخلال القمة، عرضت منظمة التحرير الفلسطينية استراتيجية عامة تطلب من الأردن الضفة الغربية لتكون وطنا. وفي السابق، كانت الضفة الغربية والقدس تحت سيطرة الأردن وحاكمها الملك حسين. وفي رأي صدام، فإن الملك حسين لم يعترض على الخطة «ولكن بدا غير مقتنع». وفي هذا الوقت أيضا، وافق العراق على أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية الممثل القانوني الوحيد لفلسطين.
واعترف صدام بأن تنظيمات فلسطينية، ومنها فتح، كان لديها مكاتب في بغداد. ولكن في عام 1978 أغلقت فتح مكاتبها ويقال إنها قامت بتوزيع منشورات. ولا يعلم صدام تفاصيل الرسالة التي تضمنتها المنشورات ولكنه سمع أنها كانت سلبية تجاه الحكومة العراقية. ولم تكن العلاقة بين الحكومة العراقية ومنظمة فتح «على ما يرام». وفيما يتعلق بأهداف المنظمات الفلسطينية الأخرى، التي بدا أنها تختلف عن أهداف منظمة التحرير الفلسطينية والعراق، قال صدام الخلاف بين الأفراد والتنظيمات حول نفس القضية يكون غالبا بسبب أفكار مختلفة يتم طرحها. وحسب ما قاله صدام، كان الفلسطينيون في حاجة إلى «قيادة مركزة». ولم يكن الأفراد الذين يشكلون قيادة التنظيمات الفلسطينية المتنوعة «على نفس القدر من المعرفة». وبالنسبة للعراقيين، اجتمعت القيادة وقررت عدم التدخل في الشؤون الداخلية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وقال صدام أن اتخذ قرار بأن العراق سوف «يساعد قدر استطاعته.» وقيل للفلسطينيين حدود الحكومة العراقية. وبعد ذلك، صدرت تعليمات بخصوص المساعدة العراقية للفلسطينيين والقيود إلى جميع القطاعات الحكومية العراقية. ووصف صدام العلاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية في الفترة من 1978 إلى 2003 بأنها «جيدة». وقال صدام إن ممثلي منظمة جبهة تحرير فلسطين ومنظمة أبو نضال كانوا في العراق في بعض الأوقات. وقال صدام: «قبلناهم كضيوف.» ووجهت إليهم تعليمات بعدم ممارسة نشاطات معارضة للعراق وعدم ممارسة الإرهاب. وقيل لأعضاء جبهة التحرير الفلسطينية ومنظمة أبو نضال أن عليهم عدم التدخل في الشؤون الداخلية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وفي مرحلة ما، وجهت تحذيرات إلى منظمة أبو نضال كي توقف النشاطات الإرهابية. واعترف صدام بأن محمد عباس، المعروف باسم أبو عباس، كان موجودا داخل العراق في مرحلة ما. ولم يقر صدام بتقديم مساعدة محددة إلى أبو عباس. وقال: «إذا قبلنا شخص كضيف، يجب أن نقدم له المساعدة. ولكن، لا يمكن لضيف أن يطلب ما يريد على الإفطار والغداء والعشاء.» وأكد صدام أن العراق كان ينظر إلى منظمة التحرير الفلسطينية على أنها المنظمة السياسية الرسمية لفلسطين وأن جميع التنظيمات الفلسطينية الأخرى تابعة. وقيل لصدام تفاصيل اجتماع تم تصويره وكان تقريبا قبل عامين بين أبو عباس وطاهر جليل حبوش، مدير الاستخبارات العراقية. وخلال الاجتماع، طلب أبو عباس الحصول على مساعدات عراقية، بما فيها المال وتدريبات وأسلحة ومواصلات لتنفيذ هجمات ضد إسرائيل. وقيل لصدام أن المحقق أطلع على الشريط المصور. وسُئل صدام هل هذه التصرفات المخططة تنفيذها ضد إسرائيل كانت تمثل دفاعا مشروعا عن فلسطينيين أم إرهابا، وهي بذلك تتجاوز المساعدة الاعتيادية التي تقدم للضيف. وسأل صدام: «ما الذي قامت به الحكومة العراقية؟ إذا كان لديكم التسجيل فأنتم تعرفون.» وقال صدام يقف مع المحاولات التي تبذل من أجل استعادة جميع الأراضي العربية، بما فيها هذه الأراضي التي «اغتصبت وسلبت». وقال إن هذا ليس سرا أو مخجلا. وقال صدام: «لو كان حبوش وأبو عباس قد اجتمعا، فهذا شيء آخر. نحن ندعو للكفاح المسلح لاستعادة الأراضي العربية. المبادئ هي نفسها التي تحدثنا عنها من قبل.» واستطرد قائلا: «لو كان أبو عباس طلب هذه الأشياء، فإن ذلك لا يعني أننا أعطيناه إياها، وإذا كان أبو عباس قد نفذ أي هجمات داخل إسرائيل، فإن ذلك يعني أننا ساعدناه. وإذا لم يكن، فإننا لم نساعده.» وعندما قيل له أن أبو عباس نفذ هجمات داخل إسرائيل، رد صدام: «هذه وقعت قبل أن يطلب المساعدة منا. كان هذا خيارهم.» وقال صدام: «في أي وقت لدينا القدرة والحق في تقديم المساعدة في النضال. لا أتحدث عن أبو عباس، وأتحدث عن المنظمات داخل فلسطين. من يتعاملون من الخارج ليسوا جادين.» وطلب صدام الإجابة التي قالها حبوش لأبي عباس. وقال المحقق لصدام إنه تم تقديم المال إلى أبو عباس، ولكن ليس كما طلب. وقال صدام: «كان هذا عمل الاستخبارات، وكنا منفتحين بخصوص فلسطين.» وسُئل صدام عما إذا كانت المساعدات إلى أبو عباس سوف تساعد على تحقيق أهداف الفلسطينيين أم سوف تعمل ضد هذه الأهداف. وقال صدام أنه منذ أن كان «مناضلا شابا» في حزب البعث، كان يؤمن بأن أي تنظيم يجب أن يقاتل من الداخل وليس من الخارج. وبالنسبة لصدام، فإن أي محاولات من الخارج لا تعدوا عن كونها «كلاما» و«غير جادة». واقترح صدام الحصول على تفاصيل أكثر بخصوص ما تمكن أبو عباس من الحصول عليه من حبوش أو من مراجعة أكبر للشريط المصور للاجتماع بين الاثنين. وبخصوص ما إذا كان يمكن لمدير الاستخبارات العراقية أن يجتمع دون موافقة القيادة العراقية لمناقشة هذا الأمر مع أبو عباس، قال صدام: «هل يتصل مدير الاستخبارات الأميركية مع الرئيس بوش في كل مرة قبل الاجتماع مع شخص ما؟» ووافق صدام على أن الرئيس، في الولايات المتحدة والعراق، يضع السياسة لجميع أفرع الحكومة. وقال صدام أنه على الرغم من أنه قيل أن أبو عباس طلب من مدير الاستخبارات العراقية 1-2 مليون دولار حسب ما قاله المحقق، فإنه لم يعطيه حتى «10,000 دولارا». وقال صدام «أي فلسطيني كان يريد التدريب والذهاب للقتال من أجل فلسطين، كنت أقل دربوه. ولكن المال والسلاح يختلف عن التدريب.» وبسبب العقوبات ضد العراق، لم تكن الحكومة قادرة على تقديم نفس مقدار المساعدات التي كانت تقدمها من قبل. وقال صدام: «إذا كان للاستخبارات العراقية القدرة، فإنه ليس خطأ طالما أن النضال في الداخل.» وسُئل صدام عما إذا كان موقف العراق المعروف الخاص بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية على أنها الممثل الوحيد لفلسطين كان يتناقض مع الدعم المقدم إلى التنظيمات والأفراد الآخرين ومن بينهم أبو عباس. ورد صدام: «لم أقل أنني ساعدت أبو عباس. لا تقل عني ما لم أقل.» أضاف صدام: «أعتقد أن الأسئلة يجب أن تكون في سياق حوار وليس استجواب.» ومضى يقول: «لو كانت الاستخبارات العراقية ساعدت أبو عباس وقاتل هو من أجل فلسطين، فهذا ليس خطأ. وإذا قيل أن شخص يريد النضال ضد إسرائيل وأن ذلك الشخص لا يمثل الفلسطينيين بصورة رسمية، فليس ثمة تناقض في السياسة العراقية. وقال صدام أي شخص كان يقول أنه يريد «التفاوض» لم يحصل على دعم من العراق لأن هذا الدور كان لعرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية. وفي نهاية المقابلة، سُئل صدام عن تحركاته عندما بدأت الهجمات في مارس (آذار) 2003. وقال صدام أنه بقي في بغداد حتى 10 أو 11 إبريل (نيسان) حين بدا أن المدينة سوف تسقط. وقبل رحيله من بغداد، عقد اجتماع أخير مع القيادات العراقية البارزة وقال لهم «سوف نناضل سرا». وبعد ذلك، رحل من بغداد وبدأ تدريجيا «يفرّق» حراسه الشخصيين، وقال لهم إنهم أكملوا مهمتهم وكان يهدف من ذلك عدم جذب الانتباه.
* صدام : أميركا وضعت خطة مع الكويت لمهاجمة العراق
ـ قال انه لو كانت لديه اسلحة محظورة كان سيهاجم القوات الأميركية في الكويت * محضر جلسة الاستجواب الرابعة ـ 13 فبراير (شباط) 2004 * بدأ كبير المحققين المناقشة بالتنويه بأن مقابلة اليوم ستشكل حواراً عاماً حول الأمم المتحدة وقراراتها العديدة حيال العراق. من جهته، قال صدام: "دعوني ألقي عليكم سؤالا مباشرا. أود السؤال عن الوجهة، منذ بداية عملية المقابلات حتى الآن، التي تحول إليها المعلومات؟ كي تبقى علاقتنا واضحة، أود أن أعلم ذلك". وعليه، أخبر المحقق صدام بأنه يعمل كممثل عن الحكومة الأميركية، وأن التقارير المتعلقة بهذه المقابلات تجري مراجعتها بالتأكيد من جانب الكثير من مسؤولي الحكومة الأميركية. وأضاف أن هؤلاء المسؤولين ربما يتضمنون الرئيس الأميركي، لكنه نفى أي معرفة مؤكدة له بهذا الأمر. وأجاب صدام بأنه ليست لديه أي تحفظات إذا ما جرى "إشراك" آخرين في هذه العملية وأنه "لا يمانع" نشر المعلومات. لدى توجيه سؤال إليه حول ما إذا كان لجأ قط للاستعانة بـ"بدلاء" أو من يشبهونه حسبما جرت الإشارة كثيراً في عدد من الكتب وإصدارات أخرى، ضحك صدام وأعلن أن "هذا يلاءم أفلام الخيال، وليس الواقع". وأضاف أنه من العسير للغاية على أي شخص تقمص شخصية فرد آخر. وفي رده على سؤال حول ما إذا كان آخرون في الحكومة العراقية، بما في ذلك نجله عدي، استعانوا بـ"بدلاء" حسبما وصف كتاب ألفه رجل عراقي، نفى صدام صحة أي معلومات تتعلق بمثل تلك التقارير. وقال: "أعتقد أن أبنائي ما كانوا ليفعلوا ذلك"، مستطرداً بأنهم ربما فكروا في إتباع هذا التكتيك خلال الحرب، لكن ليس في أوقات السلم. وشدد على أنه لم ير قط "بدلاء" لأي من نجليه، سواء خلال الحرب أو السلم. وقال صدام بنبرة خطابية: "لا تحسبوا أنني أشعر بالضيق عندما تذكرون ولداي. لا أزال أفكر بهما وأنهما استشهدا. إنهما سيشكلان قدوة لجميع الأفراد بشتى أرجاء العالم". وذكر أن نجليه قاتلا في الحرب ضد إيران في الثمانينيات، قبل أن "يبلغا السن المعتادة". وأضاف أنهما وفرد آخر يعتبرون الأشخاص الوحيدين الذين يعلم صدام أنهم حاربوا رغم كونهم "قصر". أثناء الحرب الإيرانية ـ العراقية، في معركة تحرير شبه جزيرة الفاو عام 1987، خاض صدام وجميع أقاربه المباشرين من الذكور القتال. وكانت تلك معركة مهمة وحاسمة، وهو أمر أذاعه صدام بين كافة العراقيين. وأعلن صدام: "عندما أؤمن بالمبادئ، أؤمن بها على نحو كامل، وليس جزئيا، ولا تدريجيا، وإنما بصورة تامة". وأضاف أن الله خلقنا، وهو وحده من يقرر متى يقبض أرواحنا". وأنهى صدام هذا الجزء من المقابلة بالقول: "إذا ما قررتم نشر كتاب، احرصوا على كتابته باللغتين الإنجليزية والعربية". وعند العودة مجدداً لمسألة ما إذا كان استعان بـ"بدلاء"، أجاب صدام: "لا، بالطبع لم يحدث". ثم تحولت المقابلة لمناقشة آراء صدام إزاء الأمم المتحدة خلال التسعينيات، بدءا بقرار الأمم المتحدة رقم 687. وذكر المحقق أن قرار الأمم المتحدة رقم 687 دعا العراق، من بين أمور أخرى، إلى إعلان امتلاكه أسلحة كيماوية وبيولوجية، حال وجودها لديه، وتدميرها، والموافقة على عدم بذل أي محاولات أخرى لتصنيع أو الحصول على مثل هذه النوعية من الأسلحة. إضافة إلى ذلك، دعا القرار العراق لإعادة التأكيد على التزامه بمعاهدة حظر الانتشار النووي. كما تضمن القرار رقم 687 خطوات تفصيلية يتعين على العراق اتخاذها من أجل ضمان رفع العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة ضد البلاد. بصورة محددة، سأل المحقق عن قرارات صدام والمنطق الذي اعتمدت عليه فيما يتعلق بقرار الأمم المتحدة رقم 687. من ناحيته، أكد صدام أن قرار الأمم المتحد رقم 661، وليس 687، هو أول قرار تصدره المنظمة في التسعينيات بشأن العراق والذي أسفر في نهاية الأمر عن خلق توترات واندلاع الحرب الأخيرة مع الولايات المتحدة. في المقابل، أكد المحقق معرفته بهذا القرار، لكنه استطرد بأن قرار الأمم المتحدة رقم 687 سيشكل نقطة البداية لتلك المناقشة. من جهته، اعترف صدام بأن العراق قبل القرار رقم 687. ومضى في اعترافاته قائلاً إن العراق اقترف خطأ بتدميره بعض الأسلحة دون إشراف الأمم المتحدة. وفي سؤال له حول ما إذا كان العراق أخطأ فيما يتعلق بإخفاقه في الكشف على نحو كامل عن المعلومات المتاحة لديه، منذ بداية العملية وعلى امتدادها، رد صدام بأن "هذا سؤال جيد للغاية". وأعرب عن اعتقاده بأن قرار الأمم المتحد رقم 687 لم تتم كتابته وفقاً "لأسلوب الأمم المتحدة". صدر القرار في أعقاب القرار رقم 661، الصادر قبل حرب الخليج الأولى، ومثلما الحال مع القرار رقم 661، لاقى تأييداً من الولايات المتحدة. وأعلن صدام أن: "الولايات المتحدة بدأت القضية وتبعها آخرون. وتمت الموافقة على القرار 661 من جانب جميع الأطراف، بينما لم يحدث ذلك مع القرار 687". بعد اندلاع حرب الخليج الأولى، طلب الرئيس الأميركي في نهاية الأمر عقد اجتماع على ظهر سفينة في الخليج، على غرار ما حدث بين الولايات المتحدة واليابان، وذلك من أجل مناقشة التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار. إلا أن العراق رفض هذا الاجتماع. في النهاية، التقى مسؤولون عراقيون بقادة دول أخرى عند نقطة "على الحدود". ووافق العراق على وقف إطلاق النار وسحب جيوشه. بعد ذلك، تم تمرير القرار رقم 687. وشدد صدام على أن قرار الأمم المتحد رقم 687 تمت الموافقة عليه تحت إصرار من جانب الولايات المتحدة. وطبقاً لما قاله صدام، فإنه: "لم يوجد مثل هذا القرار" من قبل في تاريخ الأمم المتحدة. عندما بدأت حرب الخليج الأولى، كانت القوات العسكرية العراقية "بعيدة عن الحدود". وكان هناك من يرغبون في "اغتصاب" العراق خلال الحرب، لعجزهم عن القيام بذلك في السلم. وبعثت الحكومة العراقية بخطابات إلى الأمم المتحدة أكدت خلالها على التزامها بالقرار رقم 687. ومع أن العراق لم يوافق على القرار، فإنه وافق على تنفيذه رغبة منه في "عدم تعرض الشعب للأذى". من وجهة نظر صدام، رغب مفتشو الأمم المتحدة في تكبيد العراق كافة نفاقاتهم، بما في ذلك مصاريف الإقامة والتنقل، والتكاليف الأخرى. وبدلاً من انتظار وصول المفتشين وتحمل نفقاتهم، شرع العراق في تدمير الأسلحة. لم يخف العراق تلك الأسلحة. وطلب مفتشو الأمم المتحدة في وقت لاحق وثائق تثبت تدمير الأسلحة وزاروا العديد من الأماكن لجمع عينات لدراستها. وأعلن صدام أنه: "إذا كان من المفترض أننا أخطأنا في النسبة المئوية للأسلحة التي أعلنا تدميرها، إذاً كم عدد الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة طبقاً لقرار الأمم المتحدة رقم 687." وتتضمن هذه "الأخطاء" احتلال العراق، وفرض "مناطق الحظر الجوي" على شمال وجنوب العراق، وقصف العراق خلال الفترة ما بين حرب الخليج الأولى حتى الحرب الأخيرة. وتساءل صدام عن السبب حول تطبيق الأمم المتحدة لقرار الأمم المتحدة رقم 687 بمثل هذا الأسلوب القاسي ضد العراق، بينما لم يتم فرض قرارات أخرى للأمم المتحدة، بما فيها القرارات الصادرة ضد إسرائيل. واختتم صدام هذا الجزء من المناقشة بقوله: "إذا ما استعنا ببروفسير من جامعة داخل الولايات المتحدة إلى العراق، سيتفق مع ملاحظاتي فيما يخص قرار الأمم المتحدة رقم 687، باستثناء قضية سيادة دولة أخرى (الكويت)." في إطار حوار مطول مع المحقق فيما يخص قرار الأمم المتحدة رقم 687، أصدر صدام العديد من التعليقات، حيث اعترف بأن القرار رقم 687 تم تمريره بالفعل ووافق العراق على "التعامل معه". وفيما يخص تدمير الأسلحة، أعلن صدام: "لقد دمرناها. وأخبرناكم ذلك بالوثائق. هذا كل ما في الأمر". ولدى سؤاله حول القيود التي فرضها العراق على الأماكن التي زارها مفتشو الأمم المتحدة، أجاب صدام: "أية أماكن؟" وأخبر المحقق صدام بأن المفتشين زاروا العديد من الأماكن، بينها وزارة الزراعة. وأجاب صدام: "والله، لو كانت لدي مثل هذه الأسلحة، كنت استخدمتها في القتال ضد الولايات المتحدة". من ناحية أخرى، أوضح المحقق أن غالبية الأفراد المتهمين من الأبرياء يوافقون على إجراء تفحص كامل وتام لتفاصيل الاتهامات الموجهة إليهم. وبمجرد تبرئة ساحتهم، يحق للطرف المتهم لاحقاً تقديم أدلة تثبت تعرضه لأي سوء معاملة خلال التحقيق. هنا، أعلن صدام: "هذا ليس استجواباً، إنه حوار". أعرب صدام عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة استخدمت أسلحة محظورة في فيتنام. وتساءل حول ما إذا كانت واشنطن تقبل قيام العراقيين بتفتيش البيت الأبيض بحثاً عن مثل هذه الأسلحة. وأكد صدام أنه من غير المحتمل أن تثمر مثل إجراءات التفتيش تلك عن أي نتيجة. وأضاف: "إن الدولة التي تقبل تعرضها للانتهاك تجلب العار لشعبها". واستطرد موضحاً أن التفاوض السبيل الطبيعي لتسوية أي خلافات، خاصة بين الدول، مضيفاً أن التفاوض هو "سبيل الأمم المتحدة". وعندما تم التأكيد أمام صدام على أن المجتمع الدولي اتفق في الرأي على أن العراق لم يلتزم بقرار الأمم المتحدة رقم 687، أجاب بأن العراق يرى بأن هناك خطأً ما في "الأسلوب الدولي". وقال إن الولايات المتحدة أقنعت العالم بموقفها تجاه العراق. وفيما يخص إجراء مزيد من المناقشة، علق صدام بقوله: "يجب أن أعد إجابة في ذهني، كي لا تخرج مشتتة. دعونا نترك الماضي، ليس لكوننا اتفقنا، وإنما لنحقق الاستفادة القصوى من وقتنا الحاضر". من ناحية أخرى، علق صدام بالقول إنه خلال حربها الأخيرة، لم يكن للولايات المتحدة سوى حليف واحد، بريطانيا. أما كافة الدول الكبرى الأخرى، بما فيها فرنسا والصين وروسيا وألمانيا، فقد عارضت الحرب. وادعى أن الولايات المتحدة كانت "تبحث عن ذريعة للقيام بأمر ما". الآن، دخلت الولايات المتحدة إلى هنا ولم تعثر على أي أسلحة دمار شامل. وأوضح صدام للمحقق أن القرارات اتخذتها القيادة العراقية، وليس هو فحسب. وأضاف أن القادة العراقيين اتخذوا قرارات جاءت بمثابة "انفراجة" بالنسبة للولايات المتحدة وسبباً لشن الحرب الأخيرة. وأشار صدام إلى أنه، في بعض الأحيان، كان ينصح الناس يسوع المسيح ومحمد وموسى وداوود وجميع الأنبياء الآخرين بالتخلي عن معتقداتهم وتعاليمهم ومبادئهم كي ينجوا بأرواحهم. وأعلن أنه: "إذا ما تخلى رجل عن مبادئه، تصبح حياته بلا أدنى قيمة. فيما يتعلق بالأنبياء، فإنهم حال قيامهم بذلك، كانوا سيتجاهلون أوامر الله". واستطرد صدام موضحاً أنه "إذا ما تخلى العراق عن مبادئه، كنا سنصبح بلا أدنى قيمة". وقال صدام إنه انتخب من جانب الشعب، ولم "تفرضه دولة أخرى أو شركات". وعليه، كان لزاماً عليه الالتزام بمبادئ الشعب. في حديثه مع صدام، شدد المحقق على أن تصرفات العراق أدت إلى فرض عقوبات من الأمم المتحدة ضده. وأوضح أن تصرفات القيادة العراقية، وفي بعض الحالات فشلها في التحرك على الوجه المناسب،أجبرت الأمم المتحدة على الاستمرار في فرض العقوبات. وأجاب صدام: "هذا رأيك الخاص"، مستطرداً بأنه من العسير التخلي عن "جنسيتك وبلادك وتقاليدك". وأوضح صدام أن المحقق وغيره من الأميركيين ربما يفكرون بصورة مختلفة بخصوص قضية العراق. وقال صدام: "لو كانت لدي الرغبة في العمل كسياسي، لكنت فعلت ذلك. لكنني لا أحب السياسيين ولا السياسة". وعندما تم لفت انتباه صدام بأن البعض يعتقدون أنه مارس مناورات سياسية في تعامله مع الأمم المتحدة، أجاب صدام قائلاً: "لقد التزمنا تماماً بكافة قرارات الأمم المتحدة". وأضاف أنه ينبغي توجيه اللوم إلى الولايات المتحدة، وليس الأمم المتحدة. وأعلن: "إننا من بين الفرسان القلائل الباقين".
لدى دراسة مسألة من يتحمل اللوم، أوضح المحقق أنه يجب أن ينظر المرء أولاً في جذور الخلاف بين العراق والعالم، وغزو الكويت. ورد صدام بالقول: "وضعت أميركا خطة مع الكويت لمهاجمة العراق. لدينا نسخة من الخطة تحت أيدينا. لو كنت أملك الأسلحة (المحظورة)، هل كنت سأدع القوات الأميركية تبقى في الكويت دون أن أهاجمها؟ أتمنى لو أن الولايات المتحدة لم يكن بنيتها مهاجمة العراق". عندما سئل حول ما إذا كان الغزو العراقي للكويت، الذي أسفر عن الحرب مع الولايات المتحدة، عجل بفرض العقوبات ضد العراق، تساءل صدام: "أسألك كأميركي، متى أوقفت الولايات المتحدة شحنات الحبوب المتجهة إلى العراق؟ عام 1989. ومتى اتصلت الولايات المتحدة بالدول الأوروبية لفرض حظر على بيع معدات تقنية إلى العراق؟ عام 1989. كانت الولايات المتحدة تخطط لتدمير العراق، وهو عزم دفعته الحركة الصهيونية ونفوذها في الانتخابات داخل الولايات المتحدة". كما تأثرت هذه "الخطة" الأميركية بدول على مقربة من العراق، خاصة إسرائيل، التي اعتبرت العراق مصدر تهديد عسكري خطير في أعقاب الحرب الإيرانية ـ العراقية. وأعلن صدام: "لدي إيمان قوي بصحة هذا الأمر". فيما يتعلق بالكويت والحرب، قال صدام: "من الصعب تجنب شخص مسلح يقف خارج منزلك إلا إذا خرجت وأطلقت النار عليه". ولكون العراق دولة صغيرة، كان من الصعب صد الولايات المتحدة بغض النظر عن الخطوات التي يتم اتخاذها. على امتداد الفترة التي انتهت بالحرب الأخيرة، قدمت الولايات المتحدة للعالم الكثير من "التاريخ" فيما يخص العراق. وأكد صدام أنه "من الصعب بالنسبة لي، أو أي شخص شريف، عدم بذل محاولة لمنع دخول الولايات المتحدة العراق". بالنسبة لملحوظاته الشخصية بعيداً عن كونه رئيس العراق، قال صدام: "ليس هناك ما اعتبره أمر شخصي. لا يمكنني نسيان منصبي كرئيس. هذا ما أعلمه وعلى قناعة به. وعليه، من الصعب طرح إجابة من وجهة نظر شخصية. لا يمكنني إغفال دوري ومبادئي لثانية واحدة، ونسيان ما كنت عليه". في نهاية المقابلة، سئل صدام مجدداً حول تحركاته بعد بداية الحرب في مارس (آذار) 2003. أجاب صدام أنه لم يكن في منطقة الدورة في بغداد في 19 مارس (آذار) 2003 عندما تعرض للقصف من جانب قوات التحالف. واستطرد موضحاً بأنه لم يكن بالحي خلال الأيام العشر السابقة لذلك الهجوم أو في أي وقت على مدار الحرب. وأعرب عن اعتقاده بأن قوات التحالف استهدفت هذا الموقع بناءً على اعتقاد خاطئ بأنه موجود به. بالنسبة لأسلوب تحركاته قبل سقوط بغداد في أبريل (نيسان) 2003، أوضح صدام أن النجاح في نقل الأفراد أو المعدات وقت الحرب يتطلب معرفة بقدرات العدو وكذلك "قدراتنا". وأشار إلى أن مرافقيه المقربين كانوا يوجهونه لـ"الانتقال هذا الاتجاه أو ذاك". وفي سؤاله حول ما إذا كان اعتاد الانتقال في سيارة سوداء طراز مرسيدس قبل الحرب، قال: "ربما. كانت لدينا مرسيدس من جميع الألوان". وفي سؤال حول ما إذا كان اعتاد التنقل في موكب طويل، أجاب: "سأترك الحكم على ذلك للتاريخ".