عدة أسباب تدفع للإعتقاد بأن العميد الركن علي حسين أبو الفضل الذي ظهر صوته الشهير على محطة 'الجزيرة' لينعى الرئيس صدام حسين صبيحة إعدامه يملك كل الأوراق التي تؤهله للتحدث وبطلاقة وثقة عن تفاصيل وذكريات المشهد العراقي المفتوح على كل الإحتمالات.
والعميد أبو الفضل لا يتحدث فقط باسم مجاميع المقاومة التي يقودها في الفرات الأوسط وجنوب العراق، ولكن أيضا باسم الوطنية العراقية التي قال انها تحترم أيديولوجيا حزب البعث العراقي وقيمه النبيلة وقياداته لكنها لم تعد توافق أبدا على 'أهلية' الحزب لحكم العراق مستقبلا بعد دحر الإحتلال وأعوانه.
وأبو الفضل يقود الآن الحركة الوطنية للمقاومة العراقية بصفتها الفصيل الأكثر حضورا في الميدان بين نحو خمسين فصيلا للمقاومة بعضها 'مخترق' وبعضها 'مختلق' كما يقول معترفا كقائد ميداني بالتحديات والسلبيات التي تواجه المقاومة قبل إيجابياتها. والرجل لا تنقصه الرؤية السياسية والتحليلية للأحداث وللمشهد العراقي برمته، وهو فوق ذلك شاهد عيان على احداث وأسرار ومفاصل رواها بإسهاب لـ'القدس العربي' في حوار مطول ترتب في ظروف إستثنائية في بغداد وتخللته جرعات إضافية من المصارحة والمكاشفة، قبل ان يرفض التصوير ويوافق على التسجيل مقترحا تصويره ملثما ليس خوفا من المجرمين والمحتلين ولكن حرصا على معطيات العمل.
أبو الفضل كان طرفا في الكثير من الأحداث لحظة سقوط بغداد وما بعدها بحكم موقعه الميداني كقائد لفرقة الإقتحام التابعة للقوات الخاصة في الجيش العراقي المنحل. وفي حديثه يقدم روايته المثيرة لما حصل في مطار بغداد وأسرار إختفاء بعض الجنرالات من الساحة فجأة وقصة ظهور صدام حسين على دبابة وبعض الإجتماعات.
يقول 'بطبيعة الحال لم أكن ضابطا كبيرا في قوات الجيش العراقي الباسل فقد فصلتنا عن القيادة العليا مراتب ونخب أخرى'، ثم يؤكد ردا على سؤال لـ'القدس العربي': 'انا الآن أقود أخواني في المقاومة العراقية وسط وجنوب العراق ولايوجد مرجعيات اعلى أعمل بإمرتها ومرجعيتي أشقائي الشرفاء المقاتلون ومتطلبات الميدان'.
وبعد رصد ملامح التعب والقلق والحرص في عينيه وعلى جسده المتعب وتعداد ثلاثين عظمة مصابة على الأقل في الجسد روى أبو الفضل بعض حكايات الحالة العراقية بثقة وتفصيل لا يمكن إدعاؤه:
هياكل المقاومة
يتحدث العميد أبو الفضل عن وجود أكثر من خمسين فصيلا تمثل المقاومة العراقية مع العلم بوجود فصائل تدعي المقاومة وتم التمكن من كشفها، بعضها إختلقه الأمريكيون وبعضها للأسف يدعمه الإيرانيون لأهداف لا علاقة لها بالمقاومة الحقيقية عمليا.
ويقول: المقاومة الحقيقية لم تخترق ولوكانت اخترقت لما استمرت بقتالها. فصائل معروفة للمقاومة الوطنية تم تشكيلها من قبل ايران وامريكا وبعض الدول العربية ومنها الكويت لغاية اختراق المقاومة الوطنية الشريفة ولكن ولله الحمد فشلت جميع تلك الجهود بسبب مهنية ووطنية واحتراف المقاومة وقوة استخباراتها.
وأهم فصائل المقاومة كالتالي: القيادة العليا للجهاد والتحرير وواجبها شمال شرق وغرب العراق ويقودها السيد الرئيس عزت الدوري، والجيش الإسلامي وتوجد ملاحظات عليه بسبب علاقاته بتنظيمات تعتبرها المقاومة الوطنية والعلمانية مشبوهة، ثم كتائب العشرين، وبعدها القيادة الوطنية للتحرير التي تضم ايضا منظمة التحرير العراقية وتشمل 18 لواء تحت إمرتنا (يقول ابو الفضل) ويضيف: هناك أيضا القيادة العامة للقوات المسلحة.
وفي مجال المجاميع المخترقة التي تدعي المقاومة احيانا لابد من الإشارة لفرق الموت وقوامها '200' ألف رجل جميعهم من إيران ومسؤولية هؤلاء تتوزع على النحو التالي: 30 الفا تحت مسؤولية جلال الطالباني و32 تحت إمرة مسعود البرزاني والبقية تحت إمرة عبد العزيز الحكيم وجزء منهم تحت إمرة عادل عبد المهدي وهذه القوات يشرف عليها هادي العامري الأمين العام لمنظمة بدر المسؤولة حصريا عن الكثير من التفجيرات الإنتحارية وإستهداف العلماء والتشارك مع فيلق القدس الإيراني في إشاعة عدم الإستقرار وتغذية الفتن الطائفية.
الدوري هو الرئيس الشرعي ولكن
فيما يخص الأهلية والخلافة بعد صدام يرى أبو الفضل أن عزت الدوري هو الرئيس الشرعي والقيادة الرسمية وللعراق، ولكن نحن نختلف وكذلك الشعب في ادارة حزب البعث للدولة التي كان من نتائجها ما آل اليه الوضع الحالي للعراق والشعب، وهنا نؤكد على الوطنية العالية والقومية الشريفة لأيديولوجية حزب البعث، ولو سارت الأمور كما هي ايديولوجية حزب البعث ما كان قد حصل ماحصل لنا اليوم ولكن بعض الأشخاص غير المهنيين وغير المحترفين بالعمل السياسي هم السبب وراء المشاكل وهو السبب في تلك الكوارث التي حلت بالعراق.
وعندما تطالب 'القدس العربي' بايضاحات يتحدث عن حلقات وسيطة غير مهنية لعبت دورا في هذه الصورة السلبية وتمثلت بصراحة ببعض أقارب الرئيس الشهيد صدام حسين، مشيرا الى ان أشياء كثيرة لم تكن ستحصل لو أتيح لنا جميعا كقادة وضباط الإتصال مباشرة بالقائد الراحل ولو لم تحجبه عنا بعض الحلقات وبينها نجلاه الشهيدان عدي وقصي وإبن عمه علي حسن المجيد.
ويسجل أبو الفضل ان منظمات تابعة لإيران وأخرى لأمريكا هي التي توجه التفجيرات الإنتحارية قائلا بأن أيادي المقاومة نظيفة ولم تتلوث بأي دم عراقي، مؤكدا وجود أدلة وأشرطة فيديو وشهود عيان على ان بعض السيارات المفخخة تحضر بحراسة سيارات الشرطة قبل إنفجارها عشوائيا.
وقال ان المقاومة لا تحتاج لمال كثير ويكفيها وجود مئات فقط من المؤمنين موزعين بمهنية ويقومون بأعمال نوعية وان التركيز شديد الآن على إستهداف العملاء والجواسيس لإنهم من سيتركهم الإحتلال وراءه، مشيرا الى ان دراسات المقاومة تدلل على وجود عميل او خائن في كل عشرة أمتار خصوصا في جنوب العراق ووسطه.
صدام على الدبابة الأولى
واستذكر المشاهد التي رصدها بعينه عندما قاد الرئيس الشهيد صدام حسين أول دبابة عسكرية دخلت لمحيط مطار بغداد بعد طرد الأمريكيين منه في المرة الأولى قائلا بأن ملاحظات عديدة يمكن قولها على صدام وعهده وحلقاته الوسيطة لكن ليس من بينها إطلاقا انه ترك المعركة فقد كان في طليعتها.
وقبل يوم سقوط بغداد بثلاثة أيام إجتمع صدام حسين بأركان الدولة والجيش في مزرعة سرية في محيط بغداد، وعندما جال بنظره على المتواجدين لاحظ بأن مدير المخابرات اللواء طاهر حبوش لا يحضر الإجتماع فكانت ردة فعل صدام فورا 'إنها خيانة'. لاحقا (يروي أبو الفضل)، سمعنا بقصة رحيل بعض الجنرالات والقادة بطائرات خاصة مع مبالغ مالية كبيرة جدا.
ويستذكر الراوي إجتماعاً آخر قبل إقتحام بغداد بأسبوعين حين قال أحد أبرز القادة العسكريين وهو الفريق رعد الحمداني لصدام حسين ان المطلوب من التحشيد ليس الجيش العراقي بل رأس النظام السياسي.. يومها لم يعلق صدام حسين على الموضوع وقيل في اوساط بعض الأفراد من مختلف الرتب بأن المطلوب شخص صدام، وثارت بعض البلبلة لكن مشاهدة صدام شخصيا على رأس الدبابة الأولى التي دخلت المطار كانت ردا من الشهيد على الأقاويل، فلم يكن أبدا من الممكن لنا كضباط ان نقول بخيارات سياسية طرحت على أركان قيادة الجيش مثل تسليم صدام او تنحيته لتجنب الحرب عندما يكون القائد كصدام ويظهر امام جنوده شاهرا رشاشه وممتطيا دباباته... لا يستطيع أي جيش شريف خذلان قائد كهذا.
حريق الحرس الجمهوري
في معركة المطار الشهيرة كان العميد أبو الفضل شاهد عيان، فقد إحتل الأمريكيون المطار أولا ثم تحركت فرق الإفتحام واستعادته وكانت ساحاته تعج بجثث الجنود المحتلين، بعد ذلك مباشرة إختفى بعض الجنرالات والقادة العسكريين وسرّح بعض آخر فرقا بأكملها ومن بقي في ساحة القتال كان فقط الحرس الجمهوري الذي توزع على عدة جبهات في خطأ عسكري واضح لم يكن سيحصل لو ألحقت قياداته بخبرات حقيقية.
يقول ابو الفضل: توزيع الحرس الجمهوري لم يكن منطقيا وبصراحة لم يكن لدى الجيش خطة خاصة للتخندق في بغداد لحمايتها ومنع سقوطها والقيادة رفضت مقترحاً بالتمركز حول بغداد فقط فحصلت الجريمة العسكرية التي أبادت قطاعات الحرس الجمهوري بنسبة '70 على الأقل، حيث إستخدم الأمريكيون سلاحا محرما لم نحدد طبيعته بعد ، لكن ما شهدته بعيني وانا بأرض المعركة وأصبت حول المطار هو دبابات أو آليات ثقيلة للحرس الجمهوري 'تتفحم' وتصبح فجأة كتلة من اللهب في وسطها هياكل بشرية من الشهداء، أما الآليات الصغيرة للحرس فكانت تتحول إلى رماد.
وتمكن العدو من تصفية الحرس الجمهوري لإن قطاعاته لم تكن متخندقة وكانت تخوض حربا إنفعالية دفاعية ولم تكن نظامية ،وعندما استهدف الحرس الجمهوري كان يقاتل في ضواحي بغداد، وعندما علم صدام بان طائرات خاصة تنقل بعض القادة في الجيش للكويت بعد تسريحهم لقطاعاتهم أدركنا جميعاً حصول 'خيانة' وتم الإعتماد فقط على الحرس الجمهوري وبعض الصفوة. وما ضرب به الحرس هو قنابل نووية من الدرجة الثانية وكان يقاتل بشرف من الحلة إلى ديالا وقدم الاف الشهداء، والأمريكيون تحولوا للقتال المحرم بعدما كسرت ظهورهم في المطار.
وأسباب الهزيمة كثيرة ومتعددة وبعضها داخلي بكل تأكيد لكن علينا ان نعلم ان بندقية الجندي الأمريكي فيها كومبيوتر، اما بندقيتنا فكانت متواضعة وان المعركة كانت مفروضة وفي ظروف من هذا النوع لا تكفي الإرادة وحدها لتحقيق النصر او الصمود.
وفي مثل ظرفنا نقول الآن كعسكر ان المفروض كان التركيز على القلب وترك الأطراف ونقصد بغداد من خلال المتاريس والخنادق والكهرباء وكل تجهيزات المعركة الدفاعية لكن الحلقات غير المهنية حالت دون إيصال صوتنا للقيادة ونحن خبراء ميدانيون.
أبعد من قصة تغيير النظام
بالنسبة لأبو الفضل المعركة الحقيقية للمقاومة الآن في الفرات الأوسط والجنوب هي تكدس العملاء والجواسيس، وهي ليست معركة متفجرات بل أسلحة خفيفة، فالعدو عندما يرحل سيترك خلفه من هو أعتى منه وما أقوله بإختصار: الإحتلال كمرض الإنفلونزا في مقاييس المقاومة لكن من سيتركهم خلفه هم مرض سرطان مميت.
وبرأي أبو الفضل ما يخطط له الإيرانيون في العراق أخطر مما يخطط له الأمريكيون، فالإيراني يتستر بشعار الدين والعقيدة في مجتمع متدين وعقائدي، وبالنسبة للمقاومة يمكنني القول ان المشروع الإستعماري في العراق أكبر وأعمق من قصة تغيير النظام.
ويرى ان الإفتقار لجناح سياسي هو من مشكلات المقاومة الأساسية وكذلك عدم توحيد الصفوف، كاشفا النقاب عن انه شخصيا أرسل أكثر من 30 رسالة للرئيس عزت الدوري تحت عنوان العمل على توحيد صفوف المقاومة لكن لم يصلني بعد أي رد، وما أقوله هنا- الكلام لأبو الفضل- ربما نجهل أموراً يفكر بها الرئيس الدوري، فنحن لا خبرة لنا في السياسة لكن لا نستطيع الرهان فقط على ذلك والإستمرار هكذا نحو المجهول.
ويرى ابو الفضل ان سياسات البعث أثبتت فشلها وهناك أخطاء فادحة إرتكبت ودفعنا ثمنها جميعا وأبرزها دخول الكويت، أما الحرب الإيرانية فكانت 'دفاعية' وعلينا ان نقر الآن لمصلحة الشعب العراقي بان غياب الحرية عن العراق في الماضي كان لمصلحة بعض الأشخاص ومراكز القوى وإنتهى بكارثة هي عدم وصول صوت الشعب للرئيس رحمه ألله ،والسبب ان حلقات غير مهنية احاطت به ووضعت نفسها في معادلة لا يستطيع أي رئيس تجاوزها.
الخلاف مع عزت الدوري
ويقول ان الرئيس الدوري نتفق معه من باب الشرعية السياسية لكن نختلف معه بالمضمون، وهو الآن قائد لأحد فصائل المقاومة وليس لكل المقاومة وله دوما كل الإحترام والمودة والولاء لشرعيته السياسية، ولابد من العمل على قيادة موحدة للمقاومة، وهذا الموضوع بصراحة يضعنا في إحراج مع الرئيس الدوري، فشئنا أم أبينا لم يعد الشعب العراقي ينظر للبعث كقيادة مؤهلة في المستقبل. وقال إن الحركة الوطنية للمقاومة تأسست في الأول من أيار عام 2003 تحت إسم منظمة تحرير العراق، ثم غيرنا إسمها، وأهمية أي فصيل في المقاومة تتمثل بالسيطرة على الأرض، ونحن بحمد الله وهمة المقاومين نسيطر الآن في جنوب ووسط العراق ومهامنا متعددة وأبرزها مع إستهداف المحتل مطاردة العملاء والخونة وتصفيتهم.
وشدد العميد أبو الفضل على ان المقاومة الوطنية ليست ضعيفة الآن ولم تكن بل نوعية وتتميز بالصبر والعمل الإستخباري المحترف، ومنذ سقطت بغداد نفذنا 120 الف عملية وفي وقت سابق تمكنا من إختراق البرنامج الأمني الأمريكي، ويعرف العدو ان عدد قتلاه يفوق بأضعاف العدد المعلن، فلا أحد يصدق بان ضرب سيارة 'الهامر' وفيها خمسة جنود لا ينتهي بقتلهم او جرحهم جميعا فهي لا تتحرك بأقل من هذا العدد.
تنظيم القاعدة
ويصر ابو الفضل على أن تنظيم القاعدة لا وجود حقيقياً له في العراق إلا من خلال صناعة أمريكية وإيرانية محترفة. ويقول ان من حضروا عبر إيران مع أبومصعب الزرقاوي لا يزيد عددهم عن 24 شخصا، وان القوات الأمريكية تقدم الدعم اللوجستي لبعض عمليات القاعدة، كم ان منظمة بدر تستخدم التفخيخ والتفجير لمساومة حكومة المالكي والجميع يعرف ذلك وقد ثبت بالوجه القاطع بان سيارة مفخخة إنفجرت عند منطقة المسيب في جامعة الصدر حضرت للمكان تحت حراسة الشرطة، مؤكدا بان عملاء الإحتلال أخطر منه لإنهم يشكلون مستقبل الإستعمار الأمريكي والإيراني المزدوج للعراق.
وبعد نصيحته للنظام العربي وتحديدا الخليجي بالتحدث مع القيادة الشرعية للعراق فقط وإصراره على وجود أدلة تثبت بان طهران عبر منظمة بدر أرسلت خلايا إرهابية لبعض دول الخليج اكد ابو الفضل ان العراق الآن ساحة تعمل فيها إستخبارات 90 دولة على الأقل وفقا لدوائر الرصد في المقاومة، مشيرا الى ان أميرا سعوديا بارزا أرسل له شخصيا وسيطا يعرض مئة مليون دولار لكي يتحول فصيله من المقاومة إلى ورقة بيد السعودية لكن العرض تم رفضه.
"القدس العربي"
والعميد أبو الفضل لا يتحدث فقط باسم مجاميع المقاومة التي يقودها في الفرات الأوسط وجنوب العراق، ولكن أيضا باسم الوطنية العراقية التي قال انها تحترم أيديولوجيا حزب البعث العراقي وقيمه النبيلة وقياداته لكنها لم تعد توافق أبدا على 'أهلية' الحزب لحكم العراق مستقبلا بعد دحر الإحتلال وأعوانه.
وأبو الفضل يقود الآن الحركة الوطنية للمقاومة العراقية بصفتها الفصيل الأكثر حضورا في الميدان بين نحو خمسين فصيلا للمقاومة بعضها 'مخترق' وبعضها 'مختلق' كما يقول معترفا كقائد ميداني بالتحديات والسلبيات التي تواجه المقاومة قبل إيجابياتها. والرجل لا تنقصه الرؤية السياسية والتحليلية للأحداث وللمشهد العراقي برمته، وهو فوق ذلك شاهد عيان على احداث وأسرار ومفاصل رواها بإسهاب لـ'القدس العربي' في حوار مطول ترتب في ظروف إستثنائية في بغداد وتخللته جرعات إضافية من المصارحة والمكاشفة، قبل ان يرفض التصوير ويوافق على التسجيل مقترحا تصويره ملثما ليس خوفا من المجرمين والمحتلين ولكن حرصا على معطيات العمل.
أبو الفضل كان طرفا في الكثير من الأحداث لحظة سقوط بغداد وما بعدها بحكم موقعه الميداني كقائد لفرقة الإقتحام التابعة للقوات الخاصة في الجيش العراقي المنحل. وفي حديثه يقدم روايته المثيرة لما حصل في مطار بغداد وأسرار إختفاء بعض الجنرالات من الساحة فجأة وقصة ظهور صدام حسين على دبابة وبعض الإجتماعات.
يقول 'بطبيعة الحال لم أكن ضابطا كبيرا في قوات الجيش العراقي الباسل فقد فصلتنا عن القيادة العليا مراتب ونخب أخرى'، ثم يؤكد ردا على سؤال لـ'القدس العربي': 'انا الآن أقود أخواني في المقاومة العراقية وسط وجنوب العراق ولايوجد مرجعيات اعلى أعمل بإمرتها ومرجعيتي أشقائي الشرفاء المقاتلون ومتطلبات الميدان'.
وبعد رصد ملامح التعب والقلق والحرص في عينيه وعلى جسده المتعب وتعداد ثلاثين عظمة مصابة على الأقل في الجسد روى أبو الفضل بعض حكايات الحالة العراقية بثقة وتفصيل لا يمكن إدعاؤه:
هياكل المقاومة
يتحدث العميد أبو الفضل عن وجود أكثر من خمسين فصيلا تمثل المقاومة العراقية مع العلم بوجود فصائل تدعي المقاومة وتم التمكن من كشفها، بعضها إختلقه الأمريكيون وبعضها للأسف يدعمه الإيرانيون لأهداف لا علاقة لها بالمقاومة الحقيقية عمليا.
ويقول: المقاومة الحقيقية لم تخترق ولوكانت اخترقت لما استمرت بقتالها. فصائل معروفة للمقاومة الوطنية تم تشكيلها من قبل ايران وامريكا وبعض الدول العربية ومنها الكويت لغاية اختراق المقاومة الوطنية الشريفة ولكن ولله الحمد فشلت جميع تلك الجهود بسبب مهنية ووطنية واحتراف المقاومة وقوة استخباراتها.
وأهم فصائل المقاومة كالتالي: القيادة العليا للجهاد والتحرير وواجبها شمال شرق وغرب العراق ويقودها السيد الرئيس عزت الدوري، والجيش الإسلامي وتوجد ملاحظات عليه بسبب علاقاته بتنظيمات تعتبرها المقاومة الوطنية والعلمانية مشبوهة، ثم كتائب العشرين، وبعدها القيادة الوطنية للتحرير التي تضم ايضا منظمة التحرير العراقية وتشمل 18 لواء تحت إمرتنا (يقول ابو الفضل) ويضيف: هناك أيضا القيادة العامة للقوات المسلحة.
وفي مجال المجاميع المخترقة التي تدعي المقاومة احيانا لابد من الإشارة لفرق الموت وقوامها '200' ألف رجل جميعهم من إيران ومسؤولية هؤلاء تتوزع على النحو التالي: 30 الفا تحت مسؤولية جلال الطالباني و32 تحت إمرة مسعود البرزاني والبقية تحت إمرة عبد العزيز الحكيم وجزء منهم تحت إمرة عادل عبد المهدي وهذه القوات يشرف عليها هادي العامري الأمين العام لمنظمة بدر المسؤولة حصريا عن الكثير من التفجيرات الإنتحارية وإستهداف العلماء والتشارك مع فيلق القدس الإيراني في إشاعة عدم الإستقرار وتغذية الفتن الطائفية.
الدوري هو الرئيس الشرعي ولكن
فيما يخص الأهلية والخلافة بعد صدام يرى أبو الفضل أن عزت الدوري هو الرئيس الشرعي والقيادة الرسمية وللعراق، ولكن نحن نختلف وكذلك الشعب في ادارة حزب البعث للدولة التي كان من نتائجها ما آل اليه الوضع الحالي للعراق والشعب، وهنا نؤكد على الوطنية العالية والقومية الشريفة لأيديولوجية حزب البعث، ولو سارت الأمور كما هي ايديولوجية حزب البعث ما كان قد حصل ماحصل لنا اليوم ولكن بعض الأشخاص غير المهنيين وغير المحترفين بالعمل السياسي هم السبب وراء المشاكل وهو السبب في تلك الكوارث التي حلت بالعراق.
وعندما تطالب 'القدس العربي' بايضاحات يتحدث عن حلقات وسيطة غير مهنية لعبت دورا في هذه الصورة السلبية وتمثلت بصراحة ببعض أقارب الرئيس الشهيد صدام حسين، مشيرا الى ان أشياء كثيرة لم تكن ستحصل لو أتيح لنا جميعا كقادة وضباط الإتصال مباشرة بالقائد الراحل ولو لم تحجبه عنا بعض الحلقات وبينها نجلاه الشهيدان عدي وقصي وإبن عمه علي حسن المجيد.
ويسجل أبو الفضل ان منظمات تابعة لإيران وأخرى لأمريكا هي التي توجه التفجيرات الإنتحارية قائلا بأن أيادي المقاومة نظيفة ولم تتلوث بأي دم عراقي، مؤكدا وجود أدلة وأشرطة فيديو وشهود عيان على ان بعض السيارات المفخخة تحضر بحراسة سيارات الشرطة قبل إنفجارها عشوائيا.
وقال ان المقاومة لا تحتاج لمال كثير ويكفيها وجود مئات فقط من المؤمنين موزعين بمهنية ويقومون بأعمال نوعية وان التركيز شديد الآن على إستهداف العملاء والجواسيس لإنهم من سيتركهم الإحتلال وراءه، مشيرا الى ان دراسات المقاومة تدلل على وجود عميل او خائن في كل عشرة أمتار خصوصا في جنوب العراق ووسطه.
صدام على الدبابة الأولى
واستذكر المشاهد التي رصدها بعينه عندما قاد الرئيس الشهيد صدام حسين أول دبابة عسكرية دخلت لمحيط مطار بغداد بعد طرد الأمريكيين منه في المرة الأولى قائلا بأن ملاحظات عديدة يمكن قولها على صدام وعهده وحلقاته الوسيطة لكن ليس من بينها إطلاقا انه ترك المعركة فقد كان في طليعتها.
وقبل يوم سقوط بغداد بثلاثة أيام إجتمع صدام حسين بأركان الدولة والجيش في مزرعة سرية في محيط بغداد، وعندما جال بنظره على المتواجدين لاحظ بأن مدير المخابرات اللواء طاهر حبوش لا يحضر الإجتماع فكانت ردة فعل صدام فورا 'إنها خيانة'. لاحقا (يروي أبو الفضل)، سمعنا بقصة رحيل بعض الجنرالات والقادة بطائرات خاصة مع مبالغ مالية كبيرة جدا.
ويستذكر الراوي إجتماعاً آخر قبل إقتحام بغداد بأسبوعين حين قال أحد أبرز القادة العسكريين وهو الفريق رعد الحمداني لصدام حسين ان المطلوب من التحشيد ليس الجيش العراقي بل رأس النظام السياسي.. يومها لم يعلق صدام حسين على الموضوع وقيل في اوساط بعض الأفراد من مختلف الرتب بأن المطلوب شخص صدام، وثارت بعض البلبلة لكن مشاهدة صدام شخصيا على رأس الدبابة الأولى التي دخلت المطار كانت ردا من الشهيد على الأقاويل، فلم يكن أبدا من الممكن لنا كضباط ان نقول بخيارات سياسية طرحت على أركان قيادة الجيش مثل تسليم صدام او تنحيته لتجنب الحرب عندما يكون القائد كصدام ويظهر امام جنوده شاهرا رشاشه وممتطيا دباباته... لا يستطيع أي جيش شريف خذلان قائد كهذا.
حريق الحرس الجمهوري
في معركة المطار الشهيرة كان العميد أبو الفضل شاهد عيان، فقد إحتل الأمريكيون المطار أولا ثم تحركت فرق الإفتحام واستعادته وكانت ساحاته تعج بجثث الجنود المحتلين، بعد ذلك مباشرة إختفى بعض الجنرالات والقادة العسكريين وسرّح بعض آخر فرقا بأكملها ومن بقي في ساحة القتال كان فقط الحرس الجمهوري الذي توزع على عدة جبهات في خطأ عسكري واضح لم يكن سيحصل لو ألحقت قياداته بخبرات حقيقية.
يقول ابو الفضل: توزيع الحرس الجمهوري لم يكن منطقيا وبصراحة لم يكن لدى الجيش خطة خاصة للتخندق في بغداد لحمايتها ومنع سقوطها والقيادة رفضت مقترحاً بالتمركز حول بغداد فقط فحصلت الجريمة العسكرية التي أبادت قطاعات الحرس الجمهوري بنسبة '70 على الأقل، حيث إستخدم الأمريكيون سلاحا محرما لم نحدد طبيعته بعد ، لكن ما شهدته بعيني وانا بأرض المعركة وأصبت حول المطار هو دبابات أو آليات ثقيلة للحرس الجمهوري 'تتفحم' وتصبح فجأة كتلة من اللهب في وسطها هياكل بشرية من الشهداء، أما الآليات الصغيرة للحرس فكانت تتحول إلى رماد.
وتمكن العدو من تصفية الحرس الجمهوري لإن قطاعاته لم تكن متخندقة وكانت تخوض حربا إنفعالية دفاعية ولم تكن نظامية ،وعندما استهدف الحرس الجمهوري كان يقاتل في ضواحي بغداد، وعندما علم صدام بان طائرات خاصة تنقل بعض القادة في الجيش للكويت بعد تسريحهم لقطاعاتهم أدركنا جميعاً حصول 'خيانة' وتم الإعتماد فقط على الحرس الجمهوري وبعض الصفوة. وما ضرب به الحرس هو قنابل نووية من الدرجة الثانية وكان يقاتل بشرف من الحلة إلى ديالا وقدم الاف الشهداء، والأمريكيون تحولوا للقتال المحرم بعدما كسرت ظهورهم في المطار.
وأسباب الهزيمة كثيرة ومتعددة وبعضها داخلي بكل تأكيد لكن علينا ان نعلم ان بندقية الجندي الأمريكي فيها كومبيوتر، اما بندقيتنا فكانت متواضعة وان المعركة كانت مفروضة وفي ظروف من هذا النوع لا تكفي الإرادة وحدها لتحقيق النصر او الصمود.
وفي مثل ظرفنا نقول الآن كعسكر ان المفروض كان التركيز على القلب وترك الأطراف ونقصد بغداد من خلال المتاريس والخنادق والكهرباء وكل تجهيزات المعركة الدفاعية لكن الحلقات غير المهنية حالت دون إيصال صوتنا للقيادة ونحن خبراء ميدانيون.
أبعد من قصة تغيير النظام
بالنسبة لأبو الفضل المعركة الحقيقية للمقاومة الآن في الفرات الأوسط والجنوب هي تكدس العملاء والجواسيس، وهي ليست معركة متفجرات بل أسلحة خفيفة، فالعدو عندما يرحل سيترك خلفه من هو أعتى منه وما أقوله بإختصار: الإحتلال كمرض الإنفلونزا في مقاييس المقاومة لكن من سيتركهم خلفه هم مرض سرطان مميت.
وبرأي أبو الفضل ما يخطط له الإيرانيون في العراق أخطر مما يخطط له الأمريكيون، فالإيراني يتستر بشعار الدين والعقيدة في مجتمع متدين وعقائدي، وبالنسبة للمقاومة يمكنني القول ان المشروع الإستعماري في العراق أكبر وأعمق من قصة تغيير النظام.
ويرى ان الإفتقار لجناح سياسي هو من مشكلات المقاومة الأساسية وكذلك عدم توحيد الصفوف، كاشفا النقاب عن انه شخصيا أرسل أكثر من 30 رسالة للرئيس عزت الدوري تحت عنوان العمل على توحيد صفوف المقاومة لكن لم يصلني بعد أي رد، وما أقوله هنا- الكلام لأبو الفضل- ربما نجهل أموراً يفكر بها الرئيس الدوري، فنحن لا خبرة لنا في السياسة لكن لا نستطيع الرهان فقط على ذلك والإستمرار هكذا نحو المجهول.
ويرى ابو الفضل ان سياسات البعث أثبتت فشلها وهناك أخطاء فادحة إرتكبت ودفعنا ثمنها جميعا وأبرزها دخول الكويت، أما الحرب الإيرانية فكانت 'دفاعية' وعلينا ان نقر الآن لمصلحة الشعب العراقي بان غياب الحرية عن العراق في الماضي كان لمصلحة بعض الأشخاص ومراكز القوى وإنتهى بكارثة هي عدم وصول صوت الشعب للرئيس رحمه ألله ،والسبب ان حلقات غير مهنية احاطت به ووضعت نفسها في معادلة لا يستطيع أي رئيس تجاوزها.
الخلاف مع عزت الدوري
ويقول ان الرئيس الدوري نتفق معه من باب الشرعية السياسية لكن نختلف معه بالمضمون، وهو الآن قائد لأحد فصائل المقاومة وليس لكل المقاومة وله دوما كل الإحترام والمودة والولاء لشرعيته السياسية، ولابد من العمل على قيادة موحدة للمقاومة، وهذا الموضوع بصراحة يضعنا في إحراج مع الرئيس الدوري، فشئنا أم أبينا لم يعد الشعب العراقي ينظر للبعث كقيادة مؤهلة في المستقبل. وقال إن الحركة الوطنية للمقاومة تأسست في الأول من أيار عام 2003 تحت إسم منظمة تحرير العراق، ثم غيرنا إسمها، وأهمية أي فصيل في المقاومة تتمثل بالسيطرة على الأرض، ونحن بحمد الله وهمة المقاومين نسيطر الآن في جنوب ووسط العراق ومهامنا متعددة وأبرزها مع إستهداف المحتل مطاردة العملاء والخونة وتصفيتهم.
وشدد العميد أبو الفضل على ان المقاومة الوطنية ليست ضعيفة الآن ولم تكن بل نوعية وتتميز بالصبر والعمل الإستخباري المحترف، ومنذ سقطت بغداد نفذنا 120 الف عملية وفي وقت سابق تمكنا من إختراق البرنامج الأمني الأمريكي، ويعرف العدو ان عدد قتلاه يفوق بأضعاف العدد المعلن، فلا أحد يصدق بان ضرب سيارة 'الهامر' وفيها خمسة جنود لا ينتهي بقتلهم او جرحهم جميعا فهي لا تتحرك بأقل من هذا العدد.
تنظيم القاعدة
ويصر ابو الفضل على أن تنظيم القاعدة لا وجود حقيقياً له في العراق إلا من خلال صناعة أمريكية وإيرانية محترفة. ويقول ان من حضروا عبر إيران مع أبومصعب الزرقاوي لا يزيد عددهم عن 24 شخصا، وان القوات الأمريكية تقدم الدعم اللوجستي لبعض عمليات القاعدة، كم ان منظمة بدر تستخدم التفخيخ والتفجير لمساومة حكومة المالكي والجميع يعرف ذلك وقد ثبت بالوجه القاطع بان سيارة مفخخة إنفجرت عند منطقة المسيب في جامعة الصدر حضرت للمكان تحت حراسة الشرطة، مؤكدا بان عملاء الإحتلال أخطر منه لإنهم يشكلون مستقبل الإستعمار الأمريكي والإيراني المزدوج للعراق.
وبعد نصيحته للنظام العربي وتحديدا الخليجي بالتحدث مع القيادة الشرعية للعراق فقط وإصراره على وجود أدلة تثبت بان طهران عبر منظمة بدر أرسلت خلايا إرهابية لبعض دول الخليج اكد ابو الفضل ان العراق الآن ساحة تعمل فيها إستخبارات 90 دولة على الأقل وفقا لدوائر الرصد في المقاومة، مشيرا الى ان أميرا سعوديا بارزا أرسل له شخصيا وسيطا يعرض مئة مليون دولار لكي يتحول فصيله من المقاومة إلى ورقة بيد السعودية لكن العرض تم رفضه.
"القدس العربي"