بلوق الميز

موقع المغتربين العرب

حصار مصر وأمل الإدارة الامريكية الكاذب في الجائزة الكبرى!

صار الحصار على غزة أكثر إحكاما بعد أن أكملت وحدات عسكرية وأمنية مصرية تحت قيادة سلاح المهندسين الأمريكي تركيب أنظمة الكشف عن الأنفاق التي تربط غزة بمصر. وكانت هذه الأنفاق تساعد في توفير الاحتياجات والسلع الأساسية التي حرم منها أهل القطاع بفعل الحصار، وقد شارف على العام الرابع

. هذه الأنظمة غطت طول الحدود المصرية مع فلسطين البالغة 41 كيلو مترا . وقام وفد من القوات المسلحة الأمريكية بتفقد الحدود يوم الثامن من ايلول )سبتمبر( الجاري، وتأكد من تركيب هذه الأنظمة. بجانب أنه تلقى تقريرا من قيادة القوات العسكرية والأمنية المصرية حول أداء الأنظمة الجديدة، ومستوى جهود هذه القوات في منع وصول الأسلحة والمواد التموينية إلى المحاصرين. ومن المقرر أن يبدأ تشغيلها الكامل مع نهاية السنة. والمدقق في المشهد يكتشف أن مصر تقع تحت وطأة حصار حقيقي لا يقل عن المضروب على الفلسطينيين. فشأن حدودها وأمنها العسكري والاستراتيجي أضحى أمريكيا/ صهيونيا. ابتعد عن أن يكون مهمة وطنية تقع مسؤوليتها على حكومتها وشعبها. وقرار عبور بوابة صلاح الدين بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية يخضع لتل أبيب تدعمه الرقابة الأوروبية. والبحر الأحمر وقد كان حتى وقت قريب بحيرة عربية وقع تحت سيطرة الأساطيل الأمريكية والبوارج الصهيونية.
المشكلة أن الإحساس بهذا الحصار يكاد يكون منعدما بسبب كثافة الضباب والتعتيم والانشغال بالحملات المؤيدة والمضادة للتوريث. ولا يعني هذا أننا نقلل من خطر التوريث، أو ندعو إلى إهمال مقاومته. وإذا ما ركزنا هنا على حصار مصر فليس ذلك تجاهلا لحصار أوسع تواجهه المنطقة بأسرها. فمصر القوية المستقلة المتقدمة مصدر قوة للأمة ورصيد يوفر الحصانة للمنطقة، ويواجه المخاطر التي تتعرض لها. وإضعافها وإلغاء دورها هدف قديم جديد. وأساسه المعاصر هو تحولات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وما نجم عنها من زرع الدولة الصهيونية على أرض فلسطين، ثم اشتعال الحرب الباردة. ورغم ضراوة الضغط والضربات المميتة أثناءها لم تعزل مصر، وفشلت الخطط التي استهدفتها. فقد كانت القوى الاستعمارية والعنصرية في موقع الدفاع، وتواجه مدا وطنيا واسعا وحركات تحرر كاسحة. كانت مصر في القلب. تقود وتتقدم الصفوف. وكان الوضع القومي والإقليمي قابلا بالتحدي. لا يساوم على المصير أو المستقبل. ولما وضعت الحرب الباردة أوزارها، كانت أحوال مصر قد تغيرت. نتيجة التنازلات التي قدمت لواشنطن قبيل وأثناء وبعد حرب 1973. فتسلمت مفاتيح مصر وخزائن العرب. بتأثير مقولة الـ99 في المئة من الأوراق التي ادعى السادات أن الإدارة الأمريكية تمتلكها. وفي فترة العبور المعاكس لمصر من الاستقلال إلى التبعية انتقل الفعل والتأثير في المنطقة من المركز إلى التخوم. واستقرت الثروة بديلا للثورة، واعتمدت سياسة 'دفتر الصكوك' واقتصاديات البترودولار، وخضعت مصر الرسمية لتأثيراتهما واستسلمت لمغرياتهما ومفاسدهما. وتعرف هذه الفترة في التاريخ الحديث بالحقبة السعودية، التي أدخلت مصر في القفص الصهيوني. وفيها اندمجت السياسة بالدين، وحل المذهب محل العقيدة، واحتل الواعظ مكان الرسول، وشاعت العصمة، وعم التنزيه. لا فرق بين واعظ وحاكم. وفي العصر الصهيوني غطى الجهاد المذهبي على المقاومة الوطنية، وتولت الصراعات الطائفية تزكية التفكك القطري والقومي. وتغلبت لغة التكفير على مبادئ التحرير، وانتصر التقسيم على التوحيد.
الخطاب الرسمي أنكر هذا ودلس على مواطنيه. إلا أن العدو دائما ما يعريه ويُذَكّره بما ينكره. فهو من يَذْكر ويُذَكّر بزيارة السادات للقدس وتوقيعه 'اتفاقية السلام' كأساس للحصار الراهن. بما منحه للدولة الصهيونية من مزايا. وهذا القول ليس قولي بل قول ألوف بن.. المحلل الصهيوني الأبرز في صحيفة 'هآرتس'. نهاية آذار/مارس الماضي. وقبله ذكره عشرات الكتاب والمحللين في الداخل والخارج. ذكرت هآرتس المزايا الهائلة وأحصتها في:
1) زوال خطر الحرب الشاملة بما كان لمصر من قدرة على صناعة تحالف عربي ضد الدولة الصهيونية، ومعنى ذلك أن هذه القدرة زالت واندثرت.
2) جعل سيناء منطقة منزوعة السلاح ، فتقلص عدد الجيش الصهيوني ونما اقتصاد الدولة الاستيطانية ، وهي قوة مضافة للعدو وخصما من قوة مصر والعرب.
3) تحطيم سور العزلة والحصار الذي احاط بالدولة الصهيونية لمدة ثلاثين عاما، وتحول ذلك إلى عزلة وحصار معاكس موجه إلى مصر نفسها..
4) فتح الطريق لانخراط الدولة الصهيونية في منطقة الشرق الاوسط. وبه فقدت مصر موقع المركز وخسر العرب ما لهم من تأثير في مناطق التخوم .
5) سمح 'السلام' مع مصر بمواصلة احتلال الجولان والضفة الغربية واستيطانهما. ليتأكد للجميع أن 'السلام' المسموم مصمم لاستمرار واستقرار الاحتلال والتوسع والاستيطان. وأشار الكاتب إلى أن هذا ما خطط له بيغن وسعى إليه في صفقته مع السادات .
خطة الحصار بدأت بالاحتواء المزدوج والمتعدد، واستهدفت إضعاف الدول المحيطة بالدولة الصهيونية، وتحطيم الأعماق خلف الجبهات الأمامية، حتى جاء احتلال العراق ليحكم الحصار على منطقة المشرق العربي، ويشل دور مصر فيه. وحتى تركيا وما جرى لها وفيها مبكرا يتم حصاده حاليا. ضمها لحلف شمال الأطلسي (الناتو) سنه 1952، واتفاقاتها العسكرية مع الدولة الصهيونية (الموقعة في 1958 و1992 و1994)، جعل منها خطا مانعا ضد الدول العربية بدل أن يكون خطا محتملا ضد تل أبيب، ومع ما استجد من حلقات . يراد لها أن تستكمل باقي السلسلة. بطرح مشروع قناة البحرين التي تربط البحر المتوسط بالبحر الميت، وتربط البحر الميت بالبحر الأحمر. و الهدف هو أن تفقد قناة السويس وضعها المتميز، وبدلا من أن تكون شريانا يحول دون عزلة مصر تصبح جزءا من مخطط خنقها. وفي حالة فشل مشروع قناة البحرين يكون قد فتح باب صراع جديد بين دول الجوار العربية. وضمن مخطط استغلال حساسيات اعتماد أمريكا على السعودية ودول الخليج وإهمال مصر تعطلت مشروعات استهدفت التواصل بين مصر وهذه البلدان، وكان مشروع الجسر البرّي، عبر البحر الأحمر، لربط مصر بالجزيرة العربية بجسر بري متصل ضحية هذا الاستغلال.
لقد أُحكِم الحصار على مصر من الشمال والشرق وبقيت ثغرات الامتداد الغربي في ليبيا، والعمق الجنوبي في السودان وأعالي النيل، وأمل المصريين ألا يؤثر تحول السياسة الليبية نحو الغرب على العلاقات الأخوية بين الشعبين. وهناك قلق من أن يأتي وقت تستجيب فيه السلطات الليبية للضغوط وتساهم في حصار مصر من حدودها الغربية. وقد يوجد من يزكي هذا التوجه. بدعوى الثأر من النظام المصري لمشاركته في حصار ليبيا، وهو ما أدانته كل القوى الوطنية والقومية بلا استثناء، وبادروا إلى كسره. وتلعب الأصابع الأمريكية والصهيونية في السودان. جنوبه وغربه وشرقه لتقسيمه واحتلال أجزاء منه، والعمل على إفقاده السيطرة على بعض منابع النيل، فيتحول إلى مركز ضغط على عصب مصر وشعبها. وما لا ينجز بالتخريب والحرب الأهلية والتدخل العسكري تتكفل به الدبلوماسيات الناعمة. وتوظيفها في فرض التدخل عن طريق المنظمات الغربية ومجلس الأمن، وهذا قد يفسر السعي المحموم لإرسال قوات عسكرية متعددة الجنسية أو أممية للسودان. لتسد بذلك ثغرة عمق مصر الجنوبي. ويمثل جنوب لبنان نموذجا احتلال قوات اليونيفيل خُمس مساحته تحت غطاء الشرعية الدولية، وهي ليست سوى قوة احتلال للبنان وحماية للدولة الصهيونية .. نفس الشرعية التي انتزعت فلسطين وسلمتها للصهاينة يُراهن عليها الآن لإعادتها مرة أخرى!!. ومن الصعب عزل هذا عما يجري في الخليج، وتحويل العلاقات البينية الخليجية إلى علاقات صراع وصدام. وتشهد العلاقات مع إيران حالة مواجهة، تقوم على تزكية العداوات والصراعات المذهبية كوسائل للعزل والحصار المتبادل بين بلاد المنطقة. وللأسف فإن السياسة الرسمية المصرية استقرت على أن عدوها هو إيران والمذهب الشيعي، وتغطي بذلك وتبرر العلاقة الحرام مع الدولة الصهيونية وتغطي على خدمتها للمشروع الصهيوني. وبدلا من أن يكسر حسني مبارك طوق العزلة حول مصر يبادر بكسر العزلة التي تهدد نتنياهو بسبب رفضه تجميد الاستيطان، فيلتقيه في القاهرة. بعد أن أرسل وزير خارجيته العنصري أفيغدور ليبرمان لدول حوض النيل لمدها بالسلاح وتمويل مشاريع تحويل مجارى منابع النيل، وهو نفسه الذي هدد بهدم السد العالي. لا يكتفي حسني مبارك بذلك إنما يشجع مسؤولين عربا آخرين لفك عزلة نتنياهو عندما يتوجهون إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك. ومنطق كسر العزلة عن العدو وفرض الحصار على النفس يبين إلى أي مدى وصل التردي والطمع نتيجة إطمئنان أهل الحكم إلى وعد تل أبيب حول ما أسمته نقل سلس للسلطة في القاهرة، مبررة ذلك برغبتها في استمرار علاقات 'السلام'. وحرصا منها على تطابقها مع سياسة حسني مبارك الحالية . هذا الجرم الرسمي المصري يتعزز بسلبية نظام رسمي عربي متهرئ. يساعد بضعفه وتهافته على تقريب يوم التدخل المباشر، وزيادة القوات المتعددة الجنسية في سيناء، كخطوة تمهد لخنق مصر وإعادة احتلالها. الذرائع جاهزة.. عدم كفاءة نظامها في 'الحرب ضد الإرهاب'.. عجزه عن منع تهريب الأسلحة.. وتحويله مصر إلى دولة فاشلة، وتتجه التطورات إلى استغلال الحوادث الطائفية لتدويل (أي أمركة وصهينة) ما يعرف بالمسألة القبطية، فقد نجح الانعزاليون في تهيئة المسرح الأمريكي والصهيوني، بأعادة انتاج القبطية من جديد بما يتلاءم مع التوجهات الغربية والعنصرية. ليتسع نطاقها الأسطوري، القائم على الخرافة، لتشمل المسلمين والمسيحيين. والانعزاليون ينتظرون اللحظة التي أشار إليها تقرير مؤسسة راند الأمريكية، ونشرت عنه صحيفة الواشنطن بوست في 6-8-2002. قبل شهور قليلة من غزو العراق. فذكر أن الحرب على العراق خطوة تكتيكية لخطوات بعدها.
تستهدف تغيير وجه الشرق الأوسط والعالم. ويستطرد: إذا كانت السعودية هي الهدف الإستراتيجي لتلك الخطوات التكتيكية. فإن مصر هي 'الجائزة الكبرى' في ختام مسيرة تبدأ بالعراق. ومن المتوقع أن يتصدى المصريون لهذا المخطط الشيطاني. وإذا ما نجحوا في إفشال مشروع التوريث يقطعون الطريق على هؤلاء الانعزاليين وعلى المتربصين المنتظرين للجائزة الكبرى الموهومة، وهذا يحتاح إلى الإفاقة من التيه الذي يحيط بالوطن والمواطن.
فنجاح المواجهة مشروط بالقدرة على التضحية، وتحمل الثمن المطلوب مهما كان كبيرا. ويتأكد النجاح بالالتزام بما استقر عليه الرأي العام الوطني.. العصيان المدني السلمي أو الثورة. فالبديل مرعب.. الفوضى أو العنف الأهلي

محمد عبد الحكم دياب

القدس العربي

×
لتصلك المعلومات

عند الاشتراك في المدونة ، سنرسل لك بريدًا إلكترونيًا عند وجود تحديثات جديدة على الموقع حتى لا تفوتك.

اساليب المقاومة لافات من شركة توب كير لمكافحة الح...
ماليزية مئوية تبحث عن الزوج الثالث والعشرين
 

تعليقات

مسجّل مسبقاً؟ تسجيل الدخول هنا
لا تعليق على هذه المشاركة بعد. كن أول من يعلق.

By accepting you will be accessing a service provided by a third-party external to https://almaze.co.uk/