أعتقد- ومن باب الموضوعية - أن النصائح التي وجهها السيد "مصطفى عبد الجليل" في خطابة للحشد الكبير في بنغازي إنما المقصود بها فئة معينة من الثوار (من غير المقاتلين) .. أي أن المقصود بها هم بعض (السياسيين) و (المثقفين) الذين لا يكفون عن إثارة القلاقل و الشبهات والشائعات ولا يتركون فرصة لمهاجمة بعض أعضاء المجلس الوطني ومكتبه التنفيذي إلا وإستثمروها وأقاموا حولها معسكرات وخيام وصراخ ونحيب وطنين ونعيب!!.. وهؤلاء لا يكلوا ولا يملوا من المبالغة في توجيه الإنتقادات للمجلس الوطني لأبسط هفوة بدعوى أن بعض أعضاء المجلس الوطني أو أعضاء مكتبه التنفيذي كان قد عمل مع النظام أو مع سيف الإسلام...إلخ .. وإذا إستثينا "الطابور الخامس" الذي نعرف غايته من مهاجمة المجلس الوطني فإنه بلا شك أن بعض هؤلاء الذين يثيرون مثل هذه الزوابع والإنتقادات المتكررة نيتهم سليمة ومخلصة ولكن وفي المقابل فإن بعضهم الآخر يفعل ذلك بدافع الحسد الشخصي والطمع السياسي فهو يحسد كل أو بعض الشخصيات العاملة في المجلس الوطني ومكتبه التنفيذي على توليهم هذه المناصب القيادية من دونه !!.. ويتمنى لو كان هو مكانهم فهو يرى في نفسه لنفسه بأنه هو الأجدر والأحق بتولي مثل هذه المناصب القيادية ولكنه لا يصرح بذلك علنا ً بل يتسربل بألف غطاء وغطاء ومنهم من يتباكى على مصلحة الثورة وتضحيات الثوار وهو يصرخ ليل نهار: (إنهم يسرقون الثورة منا !.. إنهم يسرقون الثورة مني)!!.. فهذا الصنف من الحاسدين والطماعين ممن يشغلهم طموحهم للسلطة وطمعهم في المناصب والرئاسة عن كل شئ ويحاول تغليف هذا الطموح بشعارات الغيرة على الثورة وممارسة (المزايدات الثورية) هم تحديدا ً من قصدهم السيد "عبد الجليل" بنصائحه الأخلاقية البليغة بالذات!. . فهي – إذن - نصائح في محلها لمن يفهم!.. أقصد لمن يفهم من المقصود وما المقصود منها!؟؟.. خصوصا ً وأن الوقت وقت توحيد الصف ضد الطاغية لا التنافس على المناصب والكراسي وتصفية الحسابات الشخصية أو ممارسة المزايدات السياسية وكأننا في سباق إنتخابي!!!!.. فالطمع والحسد آفة من الآفات التي تضر بالفعل قضية الثورة إذا إنتشرت بين صفوف الثوار!.. فهذا المجلس هو مجلس وطني إنتقالي مؤقت ينتهي بسقوط نظام القذافي عند أقرب الأجلين أو بوضع الدستور وبإنتخاب قيادة سياسية جديدة عند أبعد الأجلين!.. ألا نصبر عليهم ونساندهم ونتحمل الضرر الأقل في سبيل إزالة الضرر الأكبر والأخطر!!؟؟.
موضوع الدعوة إلى عدم العناق!؟
أما موضوع طلب السيد "عبد الجليل" البعد عن المعانقة والإكتفاء بالمصافحة فقط فهو قالها بصراحة - طلب شخصي - لأن الكثير من جمهور الثوار على ما يبدو يحرجونه بهذه المسألة في وقت يجب على شخص مثله وفي مثل هذه الظروف إجتناب مثل هذه الأمور بدوافع أمنية .. بمعنى أن هناك مخاوف حقيقية أن يستغل عملاء القذافي هذا الباب - باب معانقة السيد عبد الجليل - لتنفيذ عملية إغتيال إما بالسم أو الحزام الناسف فلا شك أن السيد عبد الجليل على رأس الشخصيات المستهدفة بالقتل من قبل القذافي وأعوانه .. فما ذكره السيد عبد الجليل هو طلب شخصي لأن محاولة معانقته أصبحت تسبب له الحرج ولحرسه الشخصي الذين يرفضون هذا الأمر لدواعي أمنية فيعتقد البعض أن السيد عبد الجليل يرفض هذا الأمر من باب التكبر والعياذ بالله !.. وليس الأمر كذلك بل هو من باب الإحتياطات الأمنية الضرورية – وللضرورة أحكام - فأرجو يا إخواني وأخواتي تفهم طبيعة هذا الطلب الشخصي وإدراك ما تفرضه الضرورة الأمنية في ظل هذه الأحوال الإستثنائية (ظروف الحرب) ضد الطاغية القذافي الموغل في الإرهاب والإجرام وفن الإغتيالات!!.
إشادة السيد عبد الجليل بالمنشقين!؟
لا شك أن المنشقين الذين إنشقوا عن القذافي خصوصا ً في بداية الثورة وإنضموا للثورة وعملوا على دعمها بكل جهودهم من أمثال السادة عبد الجليل وعبد الفتاح يونس وعبد الرحمن شلقم وغيرهم وكذلك من كان قد عمل مع سيف الإسلام لحقبة من الزمن ثم تركه حتى قبل الثورة مثل السادة محمود جبريل ومحمد العلاقي وسليمان دوغة .. أقول لا شك أنهم قدموا لهذه الثورة خدمات جليلة بهذه الإنشقاقات وكذلك بهذه المجهودات الداعة للثورة ولا ينكر هذا إلا أحد صنفين فإما جاحد غير منصف أو أحد المندسين وسط الثوار من الطابور الخامس فيحاول الإنتقام من هؤلاء المنشقين من خلال تشكيك الثوار فيهم وتنفيرهم منهم من خلال الدندنة حول عملهم السابق مع نظام القذافي أو إبنه!!.
نقطة أخيرة حول القيادة "الكاريزمية"!؟
الاحظ أن البعض يتمنى ويبحث عن قائد ذو شخصية "كاريزما" لقيادة الثورة الليبية الشعبية الحالية ضد الطاغية القذافي .. وهو أمر لم يحدث لا في تونس ولا مصر ولا اليمن ولا سوريا .. فهذه ثورات شعبية ليست حزبية ولا تقودها حركة سياسية محددة ولا زعامات ثورية معينة!.. وقد يعتبر البعض أن هذا الأمر – أي غياب قيادة ذات كاريزما وشخصية مبهرة - أحد عيوب هذه الثورات وأنا أرى بالعكس فإن هذا هو أحد مزاياها!.. فوقوع هذه الثورات الشعبية تحت قيادة شخصية سياسية نافذة وأخاذة ذات "كارزيما" طاغية تنتهي في أغلب الحالات بنظام شمولي شعبوي ديكتاتوري!.. لذلك فمن الخير لنا ولثورتنا المتطلعة لنظام وطني ديموقراطي راشد يحقق العدالة والحرية في حدود المعقول أن لا نرى قيادات سياسية طاغية تجيد الخطابات النارية وترفع الشعارات الثورية وتدغدغ أحلام وغرائز الجماهير الشعبية بوعود وحلول سحرية!.. بل نريد قيادات سياسية هادئة متواضعة (إدارية) تحب العمل والإنجاز ولا تحب تضييع وقتها ووقتنا في خطب ثورية تدغدغ المشاعر والغرائز!.. صدقوني .. فقد وقانا الله ووقى ثورتنا شر الشخصيات السياسية "الكارزمية" الطاغية فهي في الغالب مشروع لديكتاتور جبار!.. ديكتاتور جبار نصنعه نحن بأنفسنا وأيدينا وننفخ في صورته وغروره بكثرة هتافاتنا وكثرة مديحنا له ثم نحترق - فيما بعد - بنار ديكتاتوريته نحن وأولادنا!.. فهل أنتم منتبهون!؟.
سليم الرقعي