العلامة الطاهر الزاوي.
هذا النص منقول و لكن يجدر الذكر بأن اسم "الطاهر الزاوي" تم تمويهه و تحويره من قبل المارقين و صوروه على شخصية فكاهية يقود سيارة أجرة لطمس معالم هذا الشيخ الجليل ...
وهذا بإيجاز عن شيخنا العلامة الطاهر الزاوي :
تعاني امتنا من نوع خاص من أهل الفتوى، ممن رضخوا للسلطان، وممن اغراهم المال والمنصب والجاه، يبيعون دينهم مقابل الدنيا، ويشترون بآيات الله ثمن قليلا. وبالرغم من انهم استثناء في تاريخنا، الا ان ن تأثيرهم السلبي على امتنا كبير جدا، فهم اداة للسلطان الظالم، يضفون الشرعية على ظلمه وانحرافه ومجونه، فيضلوا ويضلوا. يستأنس بهم السلطان الظالم، ويمرر بهم ما اراد، من ظلم وانحراف وفساد.
الداعية الذي اختار ان يكون مفتي الوطن، لا مفتي السلطان.
لكن تاريخ امتنا، بل تاريخ ليبيا، القديم والمعاصر، يزخر، والحمد لله، بعلماء افذاذ، لا يخشون في الله لومة لائم، يضحون بالمال والمنصب والجاه، في سبيل ان تكون كلمة الله هي العليا، والشيخ الطاهر احمد الزاوي، هو احد اولئك الرجال.
فالمتتبع لتاريخ الشيخ الطاهر ومسيرة حياته، يجد فيها من المواقف، ما يدل على معدن الرجل النقي الصلب. كما يجد فيها، وبوضوح، حجم المعاناة التي مر بها في حياته، من كدح.. وكفاح.. وكد. فقد ناضل الرجل من اجل تحرير بلاده، التي جثم على صدرها عدو، لا يرقب في مؤمن الا ولا ذمة، فحاربه الشيخ بالسلاح، وهو في ريعان شبابه، ثم عاش بعيدا عن اهله ووطنه، يناضل من المهجر، نفس العدو، بالعلم والموقف والقلم، دون كلل او توقف او ملل، الى ان اندحر ذلك العدو.
وحتى بعد اندحار ذلك العدو الظالم، امتنع الشيخ عن العودة الى ليبيا، او مُنع من العودة اليها (حسب اغلب المصادر) على خلفية خلافه مع الملك محمد ادريس السنوسي (رحمه الله)، وسُحبت منه الجنسية الليبية، فأصبحت غربته غربة مركبة.
عاش الشيخ الطاهر، سنوات طويلة، بعيدا عن اهله ووطنه، يدفع ثمن مواقفه السياسية، دون ان يتنازل عنها، وكافح من اجل ان يؤمن لقمة العيش بكرامة، فانتقل من عمل الى أخر، بل ومن بلد الى اخر، الى ان عاد الى الوطن، عقب انقلاب 1969م، فاعيدت اليه حقوقه وجنسيته، ومُنح شهادة تقدير في عيد العلم الثانى عام 1971م، تقديرا لجهوده في ميدان الدراسات التاريخية. ليس ذلك فحسب.. بل عُين مفتيا للديار الليبية. وبالرغم مما يحمله هذا المقام الرفيع، من تكاليف ومسؤلية وامانة، الا انه يحمل في طياته ايضا، درجة رفيعة من التشريف. ويبدوا ان الله سبحانه وتعالى، كان يهيئي شيخنا، لامتحان اخير في حياته، لم يصمد فيه الكثيرون.
فبعد عقود من المعاناة، ها هو الشيخ وقد رد اليه اعتباره، وردت اليه حقوقه، بل هاهو يصبح مفتيا للديار الليبية. ولقد اشار الشيخ الى ذلك في صدر طبعة حديثة لاحد كتبه، فقد شكر اعضاء مجلس قيادة الثورة، على صنيعهم، واظهر امتنانه، وتقديره لما قاموا به، من رد لجنسيته وكرامته وحقوقه، حتى وصفهم في بداية الانقلاب بـ "انهم فتية امنوا بربهم وزدناهم هدى."
ان المتتبع لكل ذلك لا يتوقع ان ياتي يوم يقول فيه الشيخ "لا" للنظام. وقد يتوقع البعض ان يتغاضى الشيخ عن بعض تصرفات النظام، او ان يترك منصب الافتاء، دون ان يصادم النظام، ولو فعل ذلك، لظل موقفه موقفا رائعا، لن يُنس للشيخ الجليل. لكن الشيخ الطاهر، لم يتوان عن الوقوف بحزم وصراحة وصلابة، ضد رأس النظام، بل ضد زندقة النظام بكامله، بالرغم من ان النظام هو الذي وضعه في هذا المنصب. لقد كان الشيخ الكريم ينتهز كل فرصة، وخاصة تلك التي كان يعلن فيها عن حلول شهر رمضان المبارك، ليدافع عن السنة النبوية الشريفة، واحاديث الرسول الكريم، ويحذر الشعب الليبي، من انحرافات النظام، ويؤكد بطلان قراراته، وخاصة قرارات الاستيلاء على بيوت الناس وارزاقهم.
لقد توقع النظام ان يكون الشيخ الطاهر دمية في ايديهم، لكنهم لم يدركوا انه انحاز الى الحق، واختار ان يكون مفتي الوطن، لا مفتي السلطان.
فمن هو الشيخ الطاهر احمد الزاوي؟
ولد الشيخ الطاهر احمد الزاوي عام 1890م، بقرية "الحرشا"، قرب مدينة الزاوية. وتلقى تعليمه الابتدائي في نفس القرية، وحفظ القرآن الكريم في احد مساجدها (مسجد سيدي علي بن عبد الحميد). كما تلقى علوم اللغة العربية، وشتى العلوم الاسلامية، على ايدي مجموعة من علماء المنطقة الاجلاء. التحق في عام 1912م، بالازهر الشريف، حيث درس الفقه والنحو والتفسير والحديث والعلوم الشرعية بصفة عامة. عاد بعدها الى ليبيا في عام 1919م. ثم عاد الى مصر في عام 1924م، ونال شهادة العالمية في عام 1938م. ثم حصل بعد عامين من تخرجه تقريبا، على الجنسية المصرية، وعمل في وزارة الاوقاف المصرية حتى عام 1953م. انتدب للتدريس في المدينة المنورة من عام 1955 الى عام 1957م. وعاد في عام 1958م وعمل كمصحح للكتب والجرائد والمجلات. لم يعد الى ليبيا بعد الاستقلال، لكنه زارها في اعوام 1950م و 1964م و1967م. ثم عاد الى ليبيا في عام 1969م (عقب الانقلاب) حيث عين مفتياً شرعياً لليبيا. وترك منصب الافتاء في 1983م، وتوفي يوم الاربعاء، السادس من شهر مارس، من عام 1986م (24 جمادي الآخر 1406 هـ)، في مدينة طرابلس، عن عمر يناهز السادسة والتسعين، ودفن (رحمه الله) في مسقط راسه. وقد اشتهر الشيخ بالكرم الشديد.
عاصر الشيخ الطاهر الزاوي العديد من علماء ومشائخ وفقهاء ونشطاء ليبيا والوطن الاسلامي. منهم، على سبيل المثال لا الحصر، الشيخ محمد بن عمر الصالح (حفظ على يديه القرآن)، والشيخ الطاهر عبد الرزاق البشتي، والشيخ أحمد بن حسين البشتي، والشيخ الطيب محمد بن عبد الرزاق البشتي، والطاهر بن محمد النقاش، والشيخ احمد عبدالله الرزيوي، والشيخ عبدالله الكافي، والشيخ محمود الجنزوري، والشيخ عبد الحميد بن عاشور، والشيخ الشهيد محمد البشتي ،والمرحوم الشيخ علي يحى معمر. وقادة ورموز الجهاد والنضال السياسي في ليبيا. كما عاصر وقابل كل من محب الدين الخطيب، وشكيب ارسلان وعبد الرحمن عزام، والشيخ حسن مدكور، والشيخ محمود خطاب، والشيخ الدسوقى العربى، وكثيرون غيرهم.
عطاؤه..
شارك في الجهاد ضد الغزو الايطالي، وهو في سن الواحدة والعشرين، فقد اشترك في معركة الهاني، التي وقعت في اكتوبر من عام 1911م. كما شارك في "مؤتمر غريان"، الذي انعقد في نوفمبر 1922م، وبسبب عطائه في ميداني الجهاد والنضال السياسي، وما ظهر منه من همة ومثابرة واخلاص، لقضية بلاده، كُلف، بسبب كل ذلك، بمهام سياسية وطنية حساسة. ولم يتوقف جهاد الشيخ في المهجر، وبنفس الهمة، بالكلمة والموقف والقلم، فقد تابع قضية بلاده بصفة عامة، وتابع العمليات الجهادية ضد الغزو الايطالي، واشترك في النشاطات السياسية، وبذل جهدا جبارا في التعريف بقضية ليبيا، ونشر اخبارها واحوالها وملابساتها للعالم، في الصحف والمجلات، وتحدث عنها في شتى التجمعات والمحاضرات والندوات. كما شارك ايضا، في عام 1943م، في تأسيس "اللجنة الطرابلسية"، بل كان وكيلا لها. وحارب حركة التتريك، كما حارب العقائد المضادة للسنة النبوية الشريفة. ثم تصدى للهجمة الغبية التي شنها النظام الحالي، على سنة الرسول الكريم واحاديثه الشريفة، صلى الله عليه وسلم، وتصدى للقوانين الظالمة التي اصدرها معمر، والتي خالفت القرآن الكريم، وخالفت الشريعة الاسلامية، والسنة النبوية الشريفة، مثل قانون اغتصاب الأملاك الذى عُرف بقانون رقم 4 لسنة 1978م.
مؤلفاته:
ولم يتوقف عطاء الشيخ عند هذا الحد، فقد ترك لليبيا، بل وللعالم الاسلامي، مؤلفات عديدة في شتى المجالات من لغة وفقه وتاريخ، وتعتبر هذه المؤلفات والاعمال، ثروة علمية، لا تُقدر بثمن، جعلها الله سبحانه وتعالى، صدقة جارية لشيخنا الكريم (رحمه الله)، نذكر من بعض مؤلفاته:
عمر المختار (1932م)، جهاد الابطال في طرابلس الغرب (الطبعة الاولى 1950م)، تاريخ الفتح العربي لليبيا (1954م)، أعلام ليبيا (1961م)، جهاد الليبيين في ديار الهجرة من 1924م الى 1954م (1976م)، معجم البلدان الليبية (1968م)، ولاة طرابلس من بداية الفتح العربى إلى نهاية العهد التركى (1970م)، ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير(1959م)، مختار القاموس: مرتب على طريقة مختار الصحاح والمصباح المنير (1964م)، مجموعة الفتاوى (1973م(.
كما نذكر من اعمال التحقيق التي قام بها: الكشكول للعاملي (1961م)، التذكار فيمن ملك طرابلس، ومن كان بها من الأخيار لابن غلبون (1930)، مختصر خليل، للشيخ خليل بن إسحاق المالكى، النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الاثير (بالاشتراك-1963م)، ديوان البهلول (1966م)، تاريخ مدينة الزاوية (مخطوط)، المنهل العذب في تاريخ طرابلس الغرب (الجزء الثاني) للنائب الانصاري (1961م)، مثلثات قطرب، نظم ابراهيم الازهري، منظومة الفروخي في الكلمات التي تنطق بالظاء والضاد، الضوء المنير المقتبس في مذهب الامام مالك بن انس للفطيسي (1966م)، الدرر المبثوثة للفيروز آباد( شرح)
شيء مما قيل عنه:
جاء في مقال بعنوان "الشيخ الطاهر الزاوي.. ومسيرة الحق الطويلة"(1) ، كتبه الهادي الغدامسي، ونشر بمجلة "المنار"، التي يصدرها مكتب الامير محمد السنوسي:
ان الشيخ الطاهر احد الكوكبة الليبية، من العلماء والمشاهير، الذين بنوا صرحها الحضاري والعلمي، وتركوا للاجيال اثارا ومواقف لم تستطع سنوات الظلام ان تطفيء انوارها، ولا ان تقتل جذوتها، ولا ان تمحوها من ضمائر وذاكرة ابناء الشعب.
ولعل المعنى الكبير الذي تركه الشيخ الزاوي، في سجل البناة والمصلحين، يتمثل في حماسته للعلم، مسترشدا بحقيقة ان اول نداء للاسلام، هو نداء العلم والدعوة إليه، إذ قال تعالى "اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق، إقرأ وربك الاكرم، الذي علم بالقلم."
كان الشيخ الطاهر الزاوي يعبر عن ارائه، استنباطا من احكام الشرع وروحه، وقد وجد نفسه مسؤلا عن اعلان الرأي بوضوح اشد، بعد انقلاب عام 1969م، فكانت شهور رمضان تتحول الى مناسبة ليطل منها على المواطنين، عبر وسائل الاعلام، متحدثا بشجاعة نادرة عن أخطاء وانحرافات الحكم، التي تتعارض مع شريعة الامة وقيمها. الامر الذي اضطر السلطات الانقلابية، الى اغلاق وسائل الاعلام امامه، فوجد نفسه عاجزا عن القيام بواجب الافتاء، باعتباره مفتيا لليبيا، فقدم استقالته، مكتفيا بمناصرة الحق والدفاع عن الشريعة والفضيلة، بواسطة مذكرات مفتوحة، موجهة الى ما يسمى بـ "مجلس قيادة الثورة" الحاكم في ذلك الوقت، ابراء لذمته وانسجاما مع عقيدته.
وقد منع الى السفر الى الخارج في اواخر حياته، والغريب انهم اشترطوا عليه تثبيت وظيفته كمفتي للبلاد على جواز السفر، كشرط للموافقة على سفره. وقد رفض الشيخ الجليل هذه المساومة بشدة، ذلك انه لم يكن مستعدا لتحمل تبعات وظيفة، استقال منها منذ سنوات طويلة.
لقد عاش الشيخ الطاهر الزاوي ستة وتسعين عاما من الجهاد والاجتهاد.. من الفضيلة والعلم.. من الصلابة في الحق.. والسماحة في التقوى.. وترك وراءه إرثا ورصيدا لا يقدر بثمن.. من المؤلفات والكتب العلمية، وبخاصة تلك الصفحات التي سلطت الضوء على حركة الجهاد ضد الطليان، وهي اليوم من اهم المراجع التاريخية، مما وجب علينا ان نذكره ونتذكره دائما، بوصفه احد الاعلام الذين لم تحنهم رياح الباطل وعواصف الظلم.
ويقول "خالد درويش" في مقال كتبه عن ندوتين اقيمتا عن الشيخ "الطاهر الزاوي"، تحت عنوان "سيرة وأعمال الشيخ الطاهر الزاوي"(2) :
وتوزعت جهود الشيخ في مختلف الحقول المعرفية، بين التأليف والتحقيق والترتيب والتحرير، كما أنقسمت أعماله إلى شقي التراث العربي الإسلامى من جهة، والمكتبة الليبية التى أستأثرت بمجمل أثاره التاريخية من جهة ثانية.
كما جاء في هذا المقال: ان الشيخ الزاوي، يعتبر موسوعة علمية، وله العديد من المؤلفات من قواميس ومعاجم وتراجم وكتب تاريخ مؤلفة ومحققة، وهو واحد من أهم الاعلام في السيرة العلمية للاعلام الليبيين. كما يعتبر واحداً من أعلام الحياة الثقافية المعاصرين في ليبيا. بل يعتبر موسوعة علمية.
وفي مقال اخر بعنوان "القصة الكاملة لحركة الضباط الوحدويين الأحرار في سبتمبر 1969م.. خفايا واسرار (3) .. كتبه.. مفتاح فرج.. ونشر على صفحة "اخبار ليبيا"، جاء فيه:
لقد استنكر الليبيون ما كان يصرح به القذافي في أمور الدين، وتهجمه السافر على السنة النبوية المطهرة، وعلى أئمة وعلماء المسلمين، وتزييفه للتاريخ الليبي والإسلامي. وقد قام كل من الشيخ الشهيد محمد عبدالسلام البشتي، وفضيلة المفتي الشيخ الطاهر أحمد الزاوي، بالتصدى بحزم على إفتراءات القذافي.
وبعد الصلاة، كان الشيخ الزاوي، يقف ويتحدث عن بعض الأمور التى كانت تشغل بال الليبيين، منتقداً في بعض الأحيان قرارات القذافي الجائرة، مثل قانون اغتصاب الأملاك، الذى عُرف بقانون رقم 4 الصادر سنة 1978.
وتعرض الشيخ، وتعرضت دار الإفتاء، لحملة عدائية شرسة، من قبل القذافي ولجانه الثورية، ولكن الشيخ المجاهد، رغم كبر سنه، فهو من مواليد عام 1890م، صمد ولم يرضخ، وظل يجاهر بقولة الحق بكل جرأة وشجاعة. ولكن لما سدت في وجهه كل طرق التعبير عن رأيه، اضطر لتقديم استقالته، من دار الإفتاء آواخر سنة 1984 (هكذا جاء في المقال والاصح 1983م)، واعتكف في بيته إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى. انتهى ما جاء في القصة الكاملة لحركة الضباط الوحدويين.
لقد اكرمني الله سبحانه وتعالى، فتحدثت منذ ستة عشر عاما، في كتابي "جذور الصراع في ليبيا"(4)، عن الشيخ الطاهر الزاوي، بالاضافة الى الشيخ محمد البشتي، والشهيد محمد مصطفى رمضان، والشهيد احمد احواس، والشهيد محمد مهذب حفاف، والشهيد صالح الفارسي، والمرحوم الشيخ علي يحي معمر، والشهيد الشيخ المبروك غيث، والدكتور عمرو خليفة النامي، كنماذج لرموز اسلامية ليبية رائدة.
جاء عن شيخنا في جذور الصراع:
ووقف الشيخ الطاهر الزاوي، الذي شغل منصب دار الافتاء، في ليبيا في عهد الثورة، بكل جهده، وفي كل فرصة لاحت له، ضد القوانين غير الاسلامية، التي كانت تطبق في ليبيا. وظهر في إحدى المناسبات للحديث عن ثبوت رؤية رمضان، فاستغل هذه الفرصة، وحرم الاستيلاء على بيوت الناس، تبعا لقوانين اصدرتها الدولة تسمح بذلك، وحث الناس على ترك التعامل بالربا، واحتج على التدخل من قبل السلطة في رؤية هلال رمضان، ودعا الناس صراحة الى التمسك بكتاب الله وسنة نبيه. وبالاضافة الى هذا، كان الشيخ يقوم بالدعوة، من خلال بعض الكتابات، عبر الصحف كلما استطاع ذلك. ومن اشهر مقالاته مقال بعنون "لا.. للبيت لساكنه"، يحذر فيه من استيلاء الناس على مساكن غيرهم. فمنعته السلطة من الظهور في المناسبات اولا، ثم منعته من الكتابة في الصحف ثانيا. واستقال الشيخ من منصبه بسبب الصعوبات التي واجهته، وبسبب العراقيل التي وضعت، بغرض استغلال وعرقلة دار الافتاء وشيوخها. انتهى ما جاء في جذور الصراع.
هذا غيض من فيض، مما قيل عن الشيخ الطاهر الزاوي. وقد نشر عنه من المطبوعات ما لا يعد ولا يحصي، والمواقع الالكترونية الليبية، وغير الليبية، تعج بالمقالات والاحاديث عن الشيخ الطاهر الزاوي وتاريخه ومواقفه وجهاده ونضاله السياسي وجهوده في مجال الدعوة والعلم والتاليف. فالشيخ منارة للعلم.. وقدوة في الصبر.. والنضال.. والصمود.. وفوق كل ذلك.. مدرسة لاجيالنا.. وللاجيال القادمة.. نتعلم منها التمسك بالمباديء.. والانحياز للحق.. والثبات.. مهما كلف ذلك.
لقد جاهد.. الشيخ الزاوي.. وتغرب.. وناضل.. وتحدث.. وكتب.. لم يثنه عن ذلك عمر.. ولا وقت.. ولا غربة.. ولا محنة.. ولا دنيا.. ولا منصب.. ولا مال. فجزاه الله عنا.. وعن الوطن.. كل خير.. فقد اعطى.. وابدع.. ووفى.
بمثل تلك الصفات.. وبمثل تلك المواقف.. وبمثل اولئك الرجال.. سنكسب التاريخ.. والحاضر.. والمستقبل.. وستنمو الدعوة.. صلبة.. لا يستطيع طغاة الارض.. جميعا.. ان يقفوا في طريقها.. او ان يثنوا من عزائم رجالها.. بل سيتعاملون معها برهبة.. وهيبة.. واحترام.
يقول الشيخ الطاهر الزاوي، في الاهداء الذي كتبه في صدر كتابه "تاريخ الفتح العربي في ليبيا" (5):
اهدي كتابي هذا، الى كل ليبي يحطم قيود الاستعمار.. ويطهر ليبيا من المستعمرين.. الى كل ليبي يعمل على توفير الرخاء وهناءة العيش لليبيا.. الى كل ليبي يرفع منار العلم.. في ربوع ليبيا.. التي حرمت نوره منذ قرون.. الى كل ليبي يفنى في حب ليبيا.. والعمل على بناء مجدها وتمكين عزها.
فلنكن.. استجابة لهذا الاهداء.. من ضمن من ذكرهم شيخنا.. وفاء له.. وتقديرا لجهوده.. ومواقفه.. وجهاده.. وصبره.. وصموده.. لنكن.. ممن يطهرون ليبيا من الظلم والاستبداد الواقع على بلادنا اليوم.. ولنكن ممن يعملون على توفير الرخاء.. وضمان الحرية.. والهناء لبلادنا.. ولنكن ممن يرفعون منار العلم في ليبيا.. ولنفنى في حب وطننا.. ليبيا.. ونكون ممن يشارك في بناء مجده.. وتمكين عزه.. ولننحز الى الحق.. مهما بلغت تكاليف هذا الانحياز.. فبذلك.. يتمايز الدعاة.. وتظهر معادن الرجال.. وترتقي الامم.. وتتحرر الاوطان.. من طغاتها.. فتلك سنن الله في كونه.. والله المستعان على امره