ثلاثة ألغاز لم تحل حتى الآن في مسألة ترشيح السيد فاروق حسني وزير الثقافة لرئاسة اليونسكو. الأول يتعلق بالثمن الذي دفعته مصر لإسرائيل مقابل «صفحها» عنه وسحب اعتراضها عليه. الثاني ينصب على حقيقة الدوافع التي جعلت الرئاسة المصرية تمارس ضغوطها في أكثر من اتجاه لتزكية الرجل وتوفير فرصة النجاح له.
الثالث يبحث عن تفسير لتخلي الحكومة المصرية عن مساندة د.إسماعيل سراج الدين حين رشح للمنصب ذاته، رغم أنه أثقل وزنا وأوسع دراية وأكثر قبولا في الساحة الدولية، وهو ما يعطي انطباعا بأن الحماس لشخص فاروق حسني كان أكبر وأقوى من الرغبة في شغل عربي مقتدر لمنصب مدير اليونسكو.
{readmore}لقد سألني أكثر من ديبلوماسي وصحافي عربي عن سر الضغوط التي مورست على بعض الدول باسم الرئاسة في مصر لمساندة وتمكين فاروق حسني من المنصب، ولم يكن لدي إجابة عن السؤال. ولكن الملاحظة ذاتها جديرة بالانتباه. ذلك أن في الأمر مغامرة لا أعرف كيف حسبت عواقبها. فإذا فاز الرجل بأغلبية الأصوات في المجلس التنفيذي (50 عضوا) فإن فوزه سيضاف إلى أفضال إسرائيل عليه، وسيظل بوسعها الادعاء بأنها التي أوصلته بنفوذها إلى المنصب، وسيظل ذلك دينا يطويد حركته طوال الوقت.
أما إذا لم يفز وهو احتمال وارد فلن تخسر إسرائيل شيئا. وستكون قد قبضت المقابل المصري مقدما وأضافت إلى سجل مكاسبها نقاطا جديدة، الأمر الذي يعني أن الفوز المحقق في الحالتين هو لإسرائيل بالدرجة الأولى، وهو ما قد يطرح السؤال التالي: أليس من مصلحة مصر والعرب في كل الأحوال أن يشغل منصب مدير اليونسكو مصري أو عربي؟
ردي على السؤال من شقين، أولهما يتعلق بالمقابل الذي يدفع لقاء ذلك وطبيعة الصفقة التي أبرمت بخصوص الموضوع. أما الشق الثاني فيتصل بهامش الحركة المتاح لمدير اليونسكو إذا كان مصريا أو عربيا.
لا أنكر أن في الأمر وجاهة أدبية وقيمة معنوية لا بأس بها، لكن هذا الاعتبار يتراجع إذا كان الثمن الذي دفع في الصفقة المعقودة بخصوص الموضوع عاليا، ولأننا لا نعرف شيئا عن ذلك الثمن. فلن يكون بمقدورنا أن نمضي في المناقشة من هذا الجانب.
لكن لدينا ما نقوله في الشق الثاني المتعلق بهامش حركة مدير اليونسكو، وما إذا كان بمقدوره أن يخدم أمَّته في موقعه المفترض. ذلك أن المجلس التنفيذي للمنظمة هو الذي يضع سياستها، والمدير هو أحد عناصر القرار وله حدوده.
وتجربة المدير الأسبق مختار أمبو (سنغالي مسلم) الذي شغل المنصب طوال 12 عاما (1974-1987) لها عبرتها في هذا الصدد، ذلك أن الرجل الذي كان مشغولا بهموم العالم الثالث اهتم بموضوعين أساسيين هما: النظام الإعلامي الجديد والتنمية الذاتية. ولأن الموضوعين تناولا بالنقد نفوذ الدول الكبرى، فإن الولايات المتحدة لم تقبل بموقفه وقررت الانسحاب من اليونسكو وحجب التمويل الذي تقدمه لها.
وكانت النتيجة أن تعثرت مسيرة المنظمة وتعرضت للاختناق المالي. في الوقت ذاته كان مما أخذ على الرجل أيضا أنه انتقد الحفريات الإسرائيلية الجارية تحت المسجد الأقصى في القدس (هل يستطيع فاروق حسني إذا تولى المنصب أن يفعلها؟).
هكذا، فإنك إذا قلبت الأمر من مختلف أوجهه فستجد أن ما أقدمت عليه مصر، حين ألقت بثقلها وراء ترشيح السيد فاروق حسنى هو مغامرة غير مضمونة النجاح. ثم إن مردودها حتى في حالة الفوز لن يتجاوز حدود الوجاهة المعنوية. لأن الرجل لن يستطيع أن يفعل شيئا مما خطر ببال الذين أحسنوا الظن، وافترضوا أن وجود مصري أو عربي على رأس اليونسكو سيكون مفيدا لمصر والعرب، وهي اعتبارات لا أعرف كيف غابت عن الجهة المعنية في مصر التي اتخذت القرار. الأمر الذي يضيف إلى الألغاز الثلاثة سابقة الذكر لغزا رابعا يستعصي فهم دوافعه أو تفسيرها، ولا غرابة في ذلك، لأن السياسة عندنا لم تعد فن الممكن.
صحيفة الرؤية الكويتيه
فهمى هويدى
الثالث يبحث عن تفسير لتخلي الحكومة المصرية عن مساندة د.إسماعيل سراج الدين حين رشح للمنصب ذاته، رغم أنه أثقل وزنا وأوسع دراية وأكثر قبولا في الساحة الدولية، وهو ما يعطي انطباعا بأن الحماس لشخص فاروق حسني كان أكبر وأقوى من الرغبة في شغل عربي مقتدر لمنصب مدير اليونسكو.
{readmore}لقد سألني أكثر من ديبلوماسي وصحافي عربي عن سر الضغوط التي مورست على بعض الدول باسم الرئاسة في مصر لمساندة وتمكين فاروق حسني من المنصب، ولم يكن لدي إجابة عن السؤال. ولكن الملاحظة ذاتها جديرة بالانتباه. ذلك أن في الأمر مغامرة لا أعرف كيف حسبت عواقبها. فإذا فاز الرجل بأغلبية الأصوات في المجلس التنفيذي (50 عضوا) فإن فوزه سيضاف إلى أفضال إسرائيل عليه، وسيظل بوسعها الادعاء بأنها التي أوصلته بنفوذها إلى المنصب، وسيظل ذلك دينا يطويد حركته طوال الوقت.
أما إذا لم يفز وهو احتمال وارد فلن تخسر إسرائيل شيئا. وستكون قد قبضت المقابل المصري مقدما وأضافت إلى سجل مكاسبها نقاطا جديدة، الأمر الذي يعني أن الفوز المحقق في الحالتين هو لإسرائيل بالدرجة الأولى، وهو ما قد يطرح السؤال التالي: أليس من مصلحة مصر والعرب في كل الأحوال أن يشغل منصب مدير اليونسكو مصري أو عربي؟
ردي على السؤال من شقين، أولهما يتعلق بالمقابل الذي يدفع لقاء ذلك وطبيعة الصفقة التي أبرمت بخصوص الموضوع. أما الشق الثاني فيتصل بهامش الحركة المتاح لمدير اليونسكو إذا كان مصريا أو عربيا.
لا أنكر أن في الأمر وجاهة أدبية وقيمة معنوية لا بأس بها، لكن هذا الاعتبار يتراجع إذا كان الثمن الذي دفع في الصفقة المعقودة بخصوص الموضوع عاليا، ولأننا لا نعرف شيئا عن ذلك الثمن. فلن يكون بمقدورنا أن نمضي في المناقشة من هذا الجانب.
لكن لدينا ما نقوله في الشق الثاني المتعلق بهامش حركة مدير اليونسكو، وما إذا كان بمقدوره أن يخدم أمَّته في موقعه المفترض. ذلك أن المجلس التنفيذي للمنظمة هو الذي يضع سياستها، والمدير هو أحد عناصر القرار وله حدوده.
وتجربة المدير الأسبق مختار أمبو (سنغالي مسلم) الذي شغل المنصب طوال 12 عاما (1974-1987) لها عبرتها في هذا الصدد، ذلك أن الرجل الذي كان مشغولا بهموم العالم الثالث اهتم بموضوعين أساسيين هما: النظام الإعلامي الجديد والتنمية الذاتية. ولأن الموضوعين تناولا بالنقد نفوذ الدول الكبرى، فإن الولايات المتحدة لم تقبل بموقفه وقررت الانسحاب من اليونسكو وحجب التمويل الذي تقدمه لها.
وكانت النتيجة أن تعثرت مسيرة المنظمة وتعرضت للاختناق المالي. في الوقت ذاته كان مما أخذ على الرجل أيضا أنه انتقد الحفريات الإسرائيلية الجارية تحت المسجد الأقصى في القدس (هل يستطيع فاروق حسني إذا تولى المنصب أن يفعلها؟).
هكذا، فإنك إذا قلبت الأمر من مختلف أوجهه فستجد أن ما أقدمت عليه مصر، حين ألقت بثقلها وراء ترشيح السيد فاروق حسنى هو مغامرة غير مضمونة النجاح. ثم إن مردودها حتى في حالة الفوز لن يتجاوز حدود الوجاهة المعنوية. لأن الرجل لن يستطيع أن يفعل شيئا مما خطر ببال الذين أحسنوا الظن، وافترضوا أن وجود مصري أو عربي على رأس اليونسكو سيكون مفيدا لمصر والعرب، وهي اعتبارات لا أعرف كيف غابت عن الجهة المعنية في مصر التي اتخذت القرار. الأمر الذي يضيف إلى الألغاز الثلاثة سابقة الذكر لغزا رابعا يستعصي فهم دوافعه أو تفسيرها، ولا غرابة في ذلك، لأن السياسة عندنا لم تعد فن الممكن.
صحيفة الرؤية الكويتيه
فهمى هويدى