ماذا سيكون شعورك لو دفعك صاحب العمل لتأخذ إجازة، وأعطاك حزمة من النقود، إضافة إلى راتبك الشهري، لكي تستمتع بتلك الإجازة؟ تبدو المسألة وكأنها صفقة جيدة، أليس كذلك؟
هذا أيضا ما كان يعتقده كيب تشامبرز لأول وهلة.
في شهر أكتوبر/تشرين الثاني اصطحب تشامبرز خطيبته، والتي أصبحت زوجته حالياً، في رحلة لأسبوعين إلى اليونان. ومع أنه متمرس في إنشاء عدة شركات، فقد كانت المرة الأولى التي استطاع فيها أن يسافر لفترة مطولة تزيد عن عطلة نهاية أسبوع.
إلا أن هذا العرض من شركته تضمن شرطاً، ألا وهو أن ينقطع الرجل البالغ من العمر 34 عاما عن الاتصال بمكتبه في العمل؛ لا بريد إلكتروني، ولا وسائل تواصل اجتماعي، ولا اتصالات هاتفية بمكتبه في العمل.
يقول كليتون: "شعرت بتوتر شديد في الأيام الأولى. كنت أحس برنين وهمي لهاتفي النقال وهو في جيبي".
ومع ذلك، وعلى المدى الطويل، كان الأمر يستحق كل ذلك العناء.
يعمل تشامبرز كمهندس تسويق في شركة (فُل كونتاكت) في مدينة دينفر بولاية كولورادو الأمريكية، وهي شركة ناشئة تعمل في تقديم خدمة العناوين عبر الإنترنت.
وتعد الإجازة السنوية المدفوعة الأجر في الشركة إجازة إجبارية، ويصاحبها مبلغ إضافي 7,500 دولار.
ويقول تشامبرز: "عندما عدت من إجازتي، كنت متجدداً إلى حد كبير… كانت لدي قرابة 30 فكرة مختلفة لم يكن بإمكانها أن تنشأ لولا أنني كنت منقطعاً عن الاتصال بالمكتب".
المنافع الصحية للإجازات يمكن توقعها. فقد وجدت مؤسسة "فرامنغهام هارت ستدى" لبحوث القلب، والتي تتابع صحة القلب والأوعية الدموية للمقيمين بمدينة فرامنغهام بولاية ماساتشوستس الأمريكية منذ عام 1948، أن الرجال الذين لم يتمتعوا بإجازاتهم السنوية لعدة سنوات هم أكثر عرضة للإصابة بجلطة قلبية بنسبة تزيد عن 30 في المئة عن أولئك الذين أخذوا إجازة أسبوعا واحدا على الأقل في السنة.
كما يمكن للإجازات أن تعزز الصحة العقلية. تيري هارتيغ، وهو بروفيسور الصحة النفسية البيئية بجامعة أبسالا في السويد، حيث التمتع بإجازات سنوية مدتها خمسة أسابيع مدفوعة الأجر هو من المتطلبات القانونية لكل عامل وموظف، درس تأثيرات الإجازات على الصحة العقلية.
فحص هارتيغ وفريقه استعمال العقاقير المضادة للكآبة على المستوى الوطني بين 1993 و 2005، ووجدوا انخفاضاً ملحوظاً لتلك الوصفات الطبية عندما يكون الناس في إجازة. حتى أن ذلك الانخفاض كان أكثر عندما كانوا يقضون أوقاتهم بعيداً عن أماكن أعمالهم.
يمكن لحكمة أو سياسة الإجازات الإجبارية أن تجلب منافع غير متوقعة للشركات أيضاً- حتى عندما تكون بدايتها متقلبة.
وبحسب قول براد ماكارتي، مسؤول المحتوى في شركة (فُل كونتاكت)، عن تلك الإجازات: "عندما بدأنا تطبيقها، اعتقدنا بأنها ستكون أداة رائعة للتوظيف عندنا، وطريقة أفضل للاحتفاظ بموظفينا، إضافة إلى كونها أحد أفضل الوسائل التي يمكن أن تحصل عليها لتحسين الصحة العقلية".
ويضيف: "في البداية، لم يكن أداؤنا بارعاً… فقد أخذ احد الموظفين إجازته المدفوعة الأجر فتوقفت أقسام في غاية الأهمية لشركتنا عن العمل، مما جعل بقية العاملين يتدافعون ليجدوا وسيلة لإصلاح الخلل".
كان الحل في رسم "خطط الحافلات"… والمعنى هو: ماذا يحدث لو صدمتك حافلة غداً؟ الجواب عن هذه الأمور ليس عند أحد منا. ستكون الشركة أكثر معافاة عندها، حسب قول ماكارتي.
ويضيف: "يمكننا تحديد نقاط الضعف المحتملة والتأكيد على أنه مهما كان شخص بمفرده المسؤول الأول عن أمر ما، فإنه لن يكون نقطة الضعف المسببة للفشل".
وتتبع شركة "سورسغراف"، وهي شركة ناشئة في صناعة مكونات أجهزة الكمبيوتر التي تجهز أدوات التحليل لشركات تطوير البرمجيات، سياسة الإجازة الإجبارية مدفوعة الأجر.
يقول المدير التنفيذي في الشركة، كوين سلاك: "إنها أفضل طريقة لخلق عادة وثقافة التمتع بإجازة من العمل… كما أنها تُحسّن من تبادل الآراء والمعلومات والعمل الجماعي".
كما يضيف: "عندما يعلم الموظفون بأنهم سيكونون خارج نطاق المسؤولية، فإنهم يقضون أوقاتاً أكثر في التواصل مع أقرانهم في فريق العمل بشأن ما يقومون به من مهام، ونحن كشركة، نتفادى القيام بأمور تعتمد كثيراً على شخص بمفرده، ويصعب زيادتها".
ويتابع: "وجدتُ شركات كثيرة يستاء فيها الموظفون الذين لا يتمتعون بإجازاتهم من زملائهم الذين يتمتعون بها، والعكس صحيح. هذه المسألة تنفث سموماً، ويمكن لمثل هذه السياسات أن تدمر الشركات".
لم تواجه شركتا "سورسغراف" أو "فُل كونتاكت" حتى الآن موظفاً رفض أن يتمتع بإجازته المخصصة له.
يقول سلاك: "يبدو الأمر، ظاهرياً، مدعاة للكسل، وربما يصبح (الموظفون) مهمومين بأن يدب القلق في قلوب المستثمرين لديهم".
ويضيف: "آمل أن تتبنّى الشركات الناشئة في مجال التقنيات هذه السياسة، لأنها ستستفيد بالتأكيد من ذلك، فضلا عن السمعة السيئة حاليا لهذه الشركات بشأن عدم تشجيع الإجازات".
هناك مجال يشتهر بساعات العمل الطويلة، وثقافة الإدمان على العمل، والذي أصبح فيه الحصول على إجازة إجبارية ممارسة نموذجية، وهو عمل البنوك.
تفرض أغلب المصارف والمؤسسات المالية على العاملين فيها أن يأخذوا إجازة من العمل لأسبوعين متتالين، حيث ينبغي لهم خلالها أن يظلوا بعيدين عن أماكن عملهم، ولا يُسمح لهم بالاتصال بمكاتبهم في العمل عن طريق الكمبيوتر أو الهواتف الذكية أو غيرها من الأجهزة.
ومع ذلك، فليس هذا إجراء يُقصد منه تفضيل صحة الموظف فقط. لكن هذه المؤسسات تعتقد بأن أغلب صفقات الاحتيال والمراوغة ستبرز للعيان خلال تلك الفترة الزمنية.
في عام 2008، أدين المُضارب المالي الفاسد جيروم كيرڤيل بعملية النصب والتزوير التي أدت إلى خسارة 9,4 مليار يورو من البنك الفرنسي سوستيه جنرال.
وقال كيرڤيل أثناء استجوابه: "المُضارب المالي الذي لا يأخذ إجازاته هو ذلك المضارب الذي لا يريد لأي شخص آخر أن يطّلع على ملفاته الحسابية".
في أعقاب خسارة بنك سوستيه جنرال، أوصت "وكالة الخدمات المالية"، وهي الجهاز البريطاني السابق المسؤول عن الضبط المالي، بأن يأخذ الموظفون إجازة لمدة أسبوعين متتاليين بشكل إجباري. لم تكن فكرة جديدة… فالمؤسسة الأمريكية للتأمين على الودائع كانت قد أوصت به لسنوات عديدة.
ومع ذلك، هناك من يرى أن أفضل شيء هو أن نأخذ معنا في إجازاتنا أجهزة الكمبيوتر المحمول، والهاتف النقال، وغيرها من الأجهزة الإلكترونية المحمولة.
كتبت لوسي كيلاوي، وهي كاتبة عمود في صحيفة فاينانشيال تايمز، مقالاً نشرته في موقع أخبار بي بي سي باللغة الإنجليزية لتشرح فوائد ذلك خلال إجازة مدتها عشرة أيام قضتها في كورنويل بانجلترا. وتصف كيلاوي ذلك بأنه نوع من الجمع بين العمل والإجازة.
وكتبت كيلاوي: "كنت استيقظ صباحاً، ثم أرسل بضعة رسائل إلكترونية، وبعدها أهب للتنزه لبعض الوقت على ساحل البحر. وفيما بعد، قد أكتب مقالاً وأنا جالسة تحت نافذة تطل على جدول مائي. وفي وقت لاحق، أذهب إلى الفناء لأشعل الحطب كي أشوي بعض النقانق".
تعتقد كيلاوي أنه إضافة إلى إتاحة المجال للعاملين لقضاء أوقات أكثر بعيداً عن مكاتبهم، فإن ذلك سيساعد على تجاوز الإصابة بالصدمة عند الرجوع إلى المكتب ومشاهدة الأكوام المتراكمة من العمل.
إحدى تلك الصدمات الرئيسية هي: امتلاء صندوق البريد الإلكتروني. والحل الذي توصي به شركة صناعة السيارات الألمانية، دايملر، هو المسح التلقائي لكل رسائل البريد الإلكتروني المرسلة إلى العاملين خلال فترة إجازاتهم من العمل (لمن يرغب في ذلك).