كان لراع حمار وكلب، الحمار يستخدمه لنقل الأغراض والطعام وغيره، والكلب لحراسة البيت والماشية، وكان هذا الراعي كسولا يحبّ إستغلال من هم تحت
سيطرته؛ الإهمال هو معنى المسؤولية عنده، وكان هذا الراعي يخرج كل صباح من بيته راكبا حماره ومعه طعامه وترافقه ماشيته ويحرسهم كلبه حتى يصلوا إلى المرعى، وكعادته كل يوم يأخذ الطعام من على ظهر حماره ويجلس تحت شجرة كبيرة يحتمي بظلها، يأكل طعامه ويكمل نومه، ويترك مهمة حراسة الماشية للكلب، ولبخله يطعم كلبه وحماره ما يسد الرمق فقط وهم صابرون عسى أن يصلح حال هذا الراعي، وأدى ذلك مع مرور الزمن إلى ضعف بنية الحمار وبنية الكلب كذلك، وفي أحد الأيام وكعادته أراد الراعي الخروج مع الماشية وكلبه وحماره إلى المرعى، وكانت صدمته كبيرة لم يتوقعها فالحمار رفض الحركة وكاد أن يرفس الراعي وزد على ذلك نباح الكلب عليه، فخاف الراعي ولم يعرف ماذا يحصل ولماذا؟! وماذا عساه أن يفعل ؟!.
حوار ورفسة حمار
وبدأ حوار بين الثلاثة، قال الحمار للراعي: ميّزنا الخالق بصفات منها الجدّ والصبر في العمل وسخّرنا لخدمة البشر، أعطانا صوتا هو أنكر الأصوات وميزنا كذلك بالعناد، فالعمل أعطيناه حقه ولم ننقصه وصبرنا على الجهد والتعب، أما صوتنا فلا نقاش فيه فهو خلقة الخالق وعنادنا دائما على حق عند شعورنا بالذل والإهانة، أما أنت يا إنسان، فالعمل عندك عبادة وأنت لا تعمل فعبادتك لربك منقوصة، منحك الله صوتا جميلا ومع ذلك تنهق كالحمير، وقيل لك كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فأنت تحب أن تكون مسؤولا ولكن تكره وتبغض أن تقوم بمهام وواجبات المسؤولية، العناد عندك عناد على الباطل وليس عنادا على الحق، نعمل ولنا الحق بالأجر والمعاملة الحسنة وأنت كسول لا يعمل وتطالبنا بالعمل دون إطعامنا بحق ومعاملتك لنا أسوء من أن توصف، وأزيدك أن من هداية الحمار الذي هو أبلد الحيوانات كما يقال أن الرجل يسير به إلى منزله من البعد في ليلة مظلمة، فيعرف المنزل، فإذا خلي جاء إليه، ويفرق بين الصوت الذي يستوقف به والصوت الذي يحث به على السير، فمن لا يعرف الطريق إلى منزله وهي الجنة في الآخرة فهو أبلد من الحمار وأنت كذلك، ولا يليق بلقب الإنسان أن يطلق على أمثالك، فذهل الراعي من هذا الكلام وهم بضرب الحمار، فرفسه الحمار فطرحه أرضا، وجرى الحمار خارج الحظيرة...
وما أن قام الراعي وأفاق من رفسة الحمار حتى رأى الكلب يخطو نحوه، وهنا تكلم الكلب وقال للراعي: سخرنا الله لمنفعة بني البشر، ومنحنا الله صفة هي معدومة عند أمثالك يا راعي، هي صفة الوفاء، فأمثالك لا يؤمنون حتى بها وطبعا لا يفقهون معناها، أما عندنا فهي صفة راسخة، ومن الوفاء الأمانة، فأمنتنا على حراسة ماشيتك وبيتك ووفينا بهذه الأمانة، وأنت وأمثالك اؤتمنتم على مسؤولية هي أمانة فلم تصونوها، بل ولم تكتفوا بذلك، فقمتم بخيانتها وأي خيانة، أؤتمنتم على الجار فخنتموه، وعلى الحق فضيعتموه، وعلى المال فسرقتموه، وعلى السر فأفشيتموه، منحتم المال لتعزّوا به فعزّ بكم وذلت له نفوسكم، قيل لكم إن الدّين المعاملة فأسأتم المعاملة، وهنا غضب الراعي وهم بعصا ليضرب بها الكلب، فعوى عليه الكلب فجزع الراعي وسقط على الأرض وسقطت العصا من يده، وهرول الكلب مغادرا الحظيرة.
ضياع وندم
وبعد فترة أفاق الراعي من ذهوله وخرج من الحظيرة يبحث عن حماره وكلبه ولم يجدهما، فلم يجد بدًّا من الخروج بماشيته مشيا على الإقدام حاملا طعامه بيده دون حمار يركبه أو كلب يحرسه ووصل بعد حين إلى المرعى والى تلك الشجرة، فجلس كعادته تحتها يأكل طعامه ويستظل بظلها وماشيته ترعى، ولكسله وإهماله نام كعادته تحت الشجرة ناسيا أن كلبه غير موجود لحراسة الماشية، فجاءت الذئاب وأكلت الماشية ولما إستيقظ من نومه لم يجد ماشيته وضاع رزقه وندم حين لا ينفع الندم.