يوم ذي قار هو يوم من أيام العرب في الجاهلية. هو أول يوم انتصف فيه العرب من العجم. ويقال إنه حدث في زمن النبي محمد، وقع فيه القتال بين العرب والفرس في العراق وانتصر فيه العرب. وكان سببه أن كسرى أبرويز غضب على النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وقد أوغر صدره عليه زيد بن عدي العباديّ لأنه قتل أباه عدي بن زيد، فلجأ النعمان إلى هانئ بن مسعود الشيباني فاستودعه أهله وماله وسلاحه، ثم عاد فاستسلم لكسرى، فسجنه ثم قتله. وأرسل كسرى إلى هانئ بن مسعود يطلب إليه تسليمه وديعة النعمان، فأبى هانئ دفعها إليه دفعاً للمذمة، فغضب كسرى على بني شيبان وعزم على استئصالهم، فجهّز لذلك جيشاً ضخماً من الأساورة الفرس يقودهم الهامرز، ومن قبائل العرب الموالية له، من تغلب والنمر بن قاسط وقضاعة وإياد، وولى قيادة هذه القبائل إياس بن قبيصة الطائي، وبعث معهم كتيبتيه الشهباء والدوسر. فلما بلغ النبأ بني شيبان استجاروا بقبائل بكر بن وائل ، فوافتهم طوائف منهم، واستشاروا في أمرهم حنظلة بن سيّار العجلي، واستقر رأيهم على البروز إلى بطحاء ذي قار، وهو ماء لبكر بن وائل قريب من موضع الكوفة.
جاء في كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (الجزء الأول ص658) عن ذي قار:
ذو قار ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة بينها وبين واسط. وبالقرب منه مواضع منها حنو ذي قار وقراقر وجبابات ذي العجرم وجذوان وبطحاء ذي قار. ويقع حنو ذي قار على ليلة من ذي قار.
يرجع الاخباريون سبب وقوع ذي قار الى مطالبة "كسرى ابرويز" هانىء ابن قبيصة بن هانىء بن مسعود أحد بني ربيعه بن ذهل بن شيبان بتسليم الودائع التي أودعها النعمان لديه إليه. فلما أبى هانئ تسليم ما اؤتمن عليه لغير أهله، غضب كسرى، فبعث الى الهامرز التستري، وهو مرزبانه الكبير، وكان مسلحه في القطقطانه، والى جلابزين وكان مسلحه في بارق، كما كتب إلى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الجدين، وكان كسرى استعمله على سفوان بأن يرافقوا إياسا فإذا اجتمعوا فإياس على الناس. وجاءت الفرس معها الجنود والفيلة عليها الأساورة، فالتحموا بأرض ذي قار. فلما كان اليوم الأول،استظهر الفرس على العرب، ثم جزعت الفرس في اليوم الثاني من العطش، فصارت إلى الجبابات، فتبعتهم بكر وباقي العربان، فعطش الأعاجم، ومالوا إلى بطحاء ذي قار وبها اشتدت الحرب، وانهزمت الفرس، وكسرت كسرة هائلة، وقتل اكثرهم وفيهم الهامرز وجلابزين، وانتصر العرب على الفرس انتصارا عظيما، وانتصفت فيه العرب من العجم.
ويوم ذي قار لم يكن اذن يوما واحدا، أي معركة واحدة وقعت في ذي قار وانتهى أمرها بانتصار العرب على الفرس، بل هو جملة معارك وقعت قبلها ثم ختمت ب "ذي قار"، حيث كانت المعركة الفاصلة فنسبت المعارك من ثم إلى هذا المكان. ومن هذه الأيام: يوم قراقر، ويوم الحنو. حنو ذي قار، ويوم حنو قراقر، ويوم الجبابات، ويوم ذي العجرم، ويوم الغدوان، ويوم البطحاء: بطحاء ذي قار، وكلهن حول ذي قار.
أما متى وقع يوم ذي قار، فالمؤرخون مختلفون في ذلك، منهم من جعله في يوم ولادة الرسول، ومنهم من جعله عند منصرف الرسول من وقعة بدر الكبرى، ومنهم من جعله قبل الهجرة. وقد ذهب "روتشتاين" إلى انه كان حوالي سنة "604 م"، وذهب نولدكه إلى انه بين "604" و "615 م". وأكثر أهل الأخبار انه وقع بعد المبعث ورووا في ذلك حديثا قالوا إن الرسول لما بلغه من هزيمة ربيعة جيش كسرى، قال: "هذا أول يوم انتصف العرب من العجم، وبي نصروا".
والذي يستنتج من روايات أهل الأخبار عن معركة ذي قار إن "هانئ بن مسعود الشيباني"، لم يكن قائد بني شيبان ولا غيرها من العرب يوم ذي قار، بل تذهب بعض الروايات إلى انه لم يدرك هذا اليوم، لأنه هلك قبله،وانما هو: "هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود". وترى روايات أخرى أن "هانئ ابن مسعود"، كان يخشى عاقبة هذه الحرب وانه لم يكن يريد مقابلة الفرس، وكل ما كان يريده هو الاحتفاظ برهينة النعمان، وأن الفرس عندما دنوا من العرب بمن معهم: "انسل قيس بن مسعود ليلا فأتى هانئا، فقال له: أعط قومك سلاح النعمان فيقووا، فإن هلكوا كان تبعا لأنفسهم، وكنت قد أخذت بالحزم، وإن ظفروا ردوه عليك. ففعل. فقسم الدروع والسلاح في ذوي القوى والجلد من قومه. فما دنا الجمع من بكر، قال لهم هانئ: "يا معشر بكر، إنه لا طاقة لكم بجنود كسرى ومن معهم من العرب، فاركبوا الفلاة". فتسارع الناس إلى ذلك، فوثب حنظلة بن ثعلبة بن سيار فقال له: انما أردت نجاتنا، فلم تزد على أن ألقيتنا في الهلكة، فرد الناس وقطع وضن الهوادج، لئلا تستطيع بكر أن تسوق نساءهم إن هربوا - فسمي مقطع الوضن -، وهي حزم الرحال. ويقال: مقطع البطن، والبطن حزم الأقتاب، وضرب حنظلة على نفسه قبة ببطحاء ذي قار، وآلى ألا يفر حتى تفر القبة. فمضى من مضى من الناس، ورجع أكثرهم، واستقوا ماء لنصف شهر، فأتتهم العجم، فقاتلتهم بالحنو، فجزعت العجم من العطش، فهربت ولم تقم لمحاصرتهم، فهربت الى الجبابات، فتبعتهم بكر وعجل"، "فقاتلوهم بالجبابات يوما. ثم عطش الأعاجم، فمالوا الى بطحاء ذي قار، فأرسلت إياد إلى بكر سرا - وكانوا أعوانا على بكر مع إياس بن قبيصة: أي الأمرين أعجب اليكم. أن نطير تحت ليلتنا فنذهب، أو نقيم ونفر حين تلاقون القوم؟ قالوا: بل تقيمون فإذا التقى القوم انهزمتم". فلما التقى القوم في مكان من ذي قار يسمى "الجب" اجتلدوا والتحموا، فانهزمت "اياد" كما وعدتهم، وانهزم الفرس.
ويذكر "الطبري" في رواية من رواياته عن "ذي قار" أن الناس توامروا فولوا أمرهم حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي، وكانوا يتيمنون به، فقال لهم: لا أرى إلا القتال، فتبعوا أمره، وهو الذي تولى إدارة القتال، فكان له شأن كبير فيه، وقد قاد قومه من "بني عجل" في ذلك القتال، فله النصيب الأكبر منه. وقد احتل "حنظلة" مسيرة "هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود" رئيس بكر في القتال الذي جرى في ذي قار في موضع الجب.
وكان "هانئ بن قبيصة" رئيس بكر يشغل القلب في أثناء الهجوم على الفرس يوم الجب في ذي قار، وكان على ميمنته "يزيد بن مسهر الشيباني"، و "حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي" على ميسرته يحميه من كل هجوم جانبي يقع عليه من الميسرة، كما ذكرت.
و كان "يزيد بن حمار السكوني"، وهو حليف لبني شيبان، قد كمن مع قومه من بني شيبان في مكان من ذي قار هو الجب، فلما جاء إياس بن قبيصة مع الفرس إلى هذا المكان، خرج مع كمينه، فباغت إياسا ومن معه، وولت إياد منهزمة، فساعد بذلك كثيرا في هزيمة الفرس.
فهؤلاء المذكورون اذن هم الذين قادوا نصر العرب على الفرس. وقد ذهب بعض الأخباريين الى أن الحرب الرئيسية دارت على بني شيبان، ورئيس الحرب هو "هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود". أما "حنظلة" فكان صاحب الرأي. ولكن الذي يظهر من دراسة مختلف الروايات إن شأن حنظلة في القتال كان أهم وأعظم من شأن هانئ فيه، حتى لقد ذكرت بعض الروايات انه هو الذي ولي أمر القتال بعد هانئ، وان القوم صيروا الأمر إليه بعد هانئ في معركة "جب ذي قار" وانه هو الذي قتل "جلابزين"، وان كتيبته "كتيبة عجل" قامت بأمر عظيم في هذه المعركة الي انتهت بهزيمة الفرس.
وكان حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي من سادات قومه، وهو صاحب قبة، ضرب له يوم ذي قار ويوم فلج، ولا تضرب قبة الا لملك أو سيد. وكانت له بنت يقال لها "مارية"، كانت معه في هذه المعركة، وهي أم عشرة نفر أحدهم جابر بن أبجر. وأورد الطبري شعرا في يوم ذي قار نسبه الى "يزيد بن المكسر بن حنظلة بن ثعلبة بن سيار"، واذا كان يزيد هذا هو حفيد حنظلة كما يظهر من سياق النسب، يكون حنظلة اذ ذاك كبيرا في السن. وقد نسب الطبري الى حنظلة شعرا ذكر انه قاله في يوم ذي قار.
وذكر إن "النعمان بن زرعة التغلبي" هو الذي أشار على كسرى بمهاجمة "هانئ بن مسعود الشيباني" في ذي قار، وكان يحب هلاك بكر بن وائل، وان إيادا وهي في الحرب اتفقت سرا مع بكر على الهرب، فهربت حين كان إياس بن قبيصة والفرس يقاتلون بكرا، فاضطرب صف العجم، وولوا الادبار، فقتل منهم من قتل، وأسر عدد كبير. وأسر "النعمان بن زرعة التغلبي". والروايات عن معركة ذي قار، هي على شاكلة الروايات عن أيام العرب وعن حروب القبائل وغزو بعضها بعضا،من حيث تأثرها بالعواطف القبلية وأخذها بالتحيز والتحزب. فنرى فيها تحيزا لبني شيبان يظهر في شعر "الأعشى" لهم، اذ يمدحهم خاصة، مما أدى الى غضب غيرهم مثل "اللهازم"، ونرى فيها اعطاء فخر لفلان وحبسه عن فلان. ولذلك يجب على الباحث عن أيام العرب وعن حروب القبائل وغزواتها أن يفطن لذلك.
وشعر الأعشى، أعشى بكر، في ذي قار، ومدحه قومه "بني بكر"، شعر مهم للوقوف على حوادث تلك المعركة وكيف جرت. ولبكير: أصم بني الحارث، شعر أيضا يمدح فيه بني شيبان ويمجد عملهم وفعلهم في هذا اليوم. وقد هجا "أعشى بكر" في قصيدة له عن يوم ذي قار وعن مقام عشيرته ومكانته فيه تميما وقيس عيلان، ثم تعرض لقبائل معد، فقال:
لو أن كل معد كان شاركنا في يوم ذي قار،ما أخطاهم الشرف
ونجد شعرا للعديل بن الفرخ العجلي، يفتخر فيه بقومه ويتباهى بانتصارهم على الفرس في هذا اليوم، ويقول:
ما أوقد الناس من نار لمكرمة إلا أصطلينا، وكنا موقدي النار
وما يعدون من يوم سمعت به للناس أفضل من يوم بذي قار
جئنا بأسلابهم والخيل عابسة يوم استلبنا لكسرى كل أسوار
وكان هانئ بن قبيصة، من أشراف قومه، وكان نصرانيا، وأدرك الإسلام فلم يسلم، ومات بالكوفة. أما "قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الجدين"، فكان سيد قومه في أيامه، وذلك قبل الإسلام. وكان كسرى استعمله على "طف سفوان".
ويذكر بعض أهل الأخبار أن هناك يوما آخر، عرف بيوم "ذي قار"، وقد وقع أيضا بين العرب والفرس، فانتصر فيه العرب أيضا، وقد وقع قبل اليوم المذكور، فعرف لذلك بيوم ذي قار الأول، وبيوم صيد، وبيوم القبة. وكان سببه أن بكر بن وائل أصيبت بسنة "أي قحط" فخرجت حتى نزلت بذي قار، وأقبل حنظلة بن سيار العجلي، حتى ضرب قبته بين ذي قار وعين صيد، وكان يقال له "حنظلة القباب" وكانت له قبة حمراء، إذا رفعها انضم إليه قومه، فأتاهم عامل كسرى على السواد ليخرجهم منه، فأبوا، فقاتلهم فهزموه وانتصروا عليه.
وقد نسب إلى "زيد الخيل" شعر، زعم انه قاله يذكر إياس بن قبيصة الطائي هو:
أفي كل عام سيد يفقدونه تحكك من وجد عليه الكلاكل ؟
ثم يكون العقل منكم صحيفة كما علقت على السليم الجلاحل ؟
وقد قال "ابن قتيبة الدينوري" في تفسيره: "كان كسرى أرسل إلى مال إياس ليأخذه فنفرت عن ذلك طيء، وقد أراد أن يبطش بأناس منهم. فلما رأى ذلك كسرى، كتب لهم كتابا في أمان، فقال زيد شعرا، هذان البيتان فيه، يحض قومه، وينهاهم أن يقبلوا كتابه، أو يطمئنوا إلى قوله". وليس في هذا الشرح كما نرى تفسيرا للسبب الذي دفع كسرى إلى المطالبة بمال إياس. هل كان ذلك بسبب اختلافه معه، أو بسبب آخر. ولا يعقل أن تكون هذه المطالبة في حالة صلح وعلاقات طيبة بين الجهتين، بل لا بد أن تكون عن ظروف سيئة لم يتطرق لها "ابن قتيبة".
وعندي إن هذه الحادثة إن صحت روايتها، وجب أن تكون قد وقعت بعد موت "إياس"، وتركه ثروة وأملاكا طائلة، فأراد الفرس الاستحواذ عليها، وأخذ ما جمعه من مال، فحدث ما حدث.
وذكر الأخباريون بعد "إياس" رجلا فارسيا. قالوا انه هو الذي حكم "الحيرة" وملكها في زمن "أبرويز"، وفي زمن شيرويه بن أبرويز، وفي زمن أردشير ابن شيرويه، وفي زمن بوران بنت أبرويز، وذكروا إن مدة حكمه سبع عشرة سنة أو أقل من ذلك. وسموا هذا الرجل "أزادبه بن ماهيبيان بن مهرا بنداد" أو "أزاذبه بن يابيان بن مهر بنداذ الهمذاني"، أو "آزادبه بن ماهان بن مهر بنداد الهمذاني" أو "زادويه الفارسي"، حكم سبع عشرة سنة، من ذلك في زمن كسرى بن هرمز أربع عشرة سنة وثمانية أشهر، وفي زمن شيرويه ين كسرى ثمانية أشهر، وفي زمن أردشير بن شيرويه سنة وسبعة أشهر، وفي زمن بوران دخت بنت كسرى شهرا. ولكنهم لم يذكروا من أمره شيئا، فلا نعرف من أعماله أي شيء مع طول مدة حكمه إن صحت رواية الأخباريين.
وأرى إن "دادويه الفارسي" الذي ذكر "حمزة الأصفهاني" انه كان قد ملك الحيرة، هو "زادويه" المذكور، وان النساخ قد أخطأوا في كتابة الاسم فصيروه على هذه الصورة، او إن "حمزة" نفسه قد أخطأ في التسمية، أو هو نقلها من كتابين مختلفين أو من مصدر واحد كتبهما بصورتين، فشايعه حمزة ولم ينتبه إلى انه صير الأسم الواحد اسمين.
وذكر بعض أهل الأخبار إن الذي حكم بعد "آزاذبه" هو "المنذر بن النعمان ابن المنذر" المعروف ب "الغرور" أو "المغرور"، وهو المقتول بالبحرين يوم جواثا"، " فكان ملكه وملك غيره إلى أن قدم خالد بن الوليد الحيرة ثمانية أشهر". وهو كلام مشكوك فيه. ففي الاخبار أن المنذر لم يحكم الحيرة، وإنما حكم البحرين في أثناء الردة، وذلك بأن ربيعة حينما ارتدت عن الإسلام قالت: نرد الملك في المنذر بن النعمان بن المنذر. فلما حارب المسلمون المرتدين، منوا بهزيمة منكرة، وسقط المنذر اسيرا في أيدي المسلمين. ويقال إنه أسلم على أثر ذلك، وسمى نفسه "المغرور" بدلاء من "الغرور"، وهو اللقب الذي كان يعرف به قبل اسلامه.
ويظهر أن النصرانية كانت هي المتفشية في البحرين وفي بني عبد القيس، و قد كان المنذر الغرور مع المرتدين، الذين تركوا الإسلام وعادوا إلى النصرانية بعد دخولهم في الإسلام.
وقد ذكر "الطبري" في حديثه عن يوم المقر وفم فرات بادقلي: أن الذي كان يلي أمر الحيرة هو "الآزاذبه"، وقال فيه: "كان مرزبان الحيرة أزمان كسرى إلى ذلك اليوم". وقد كان من أشراف الفرس وسادتهم، وذكر أيضا: أن قيمة قلنسوته خمسون ألفا، وقيمة القلنسوة عند الفرس تدل على مكانة صاحبها وشأنه عند الساسانيين. وانه لما سمع بدنو "خالد بن الوليد" من الحيرة تهيأ لحربه، وقدم ابنه، ثم خرج في أثره حتى عسكر خارجا من الحيرة، وأمر ابنه بسد الفرات، ولكن خالدا فاجأه وأصاب جيشه فلما بلغ أباه خبر ما حل به، هرب من غير قتال، وكان عسكره بين الغريين والقصر الأبيض، وتمكن بذلك خالد بن الوليد من فتح الحيرة.
فيفهم من حديث الطبري عن فتح الحيرة أن المنذر بن النعمان لم يكن قد ولي حكمها، وأن ما ذكره من توليه الحكم ثمانية أشهر، يناقض ما ذكره هو فيما بعد عن فتح الحيرة وبقية أرض العراق ويخالف كذلك ما ورد في بقية كتب أهل الأخبار عن فتوح العراق.
وكان ملوك الحيرة مثل غيرهم من الملوك، كالغساسنة و الساسانيين والروم، يتراسلون مع القبائل وعمالهم بالبريد. وكانت برد ملوك العرب في الجاهلية الخيل، تنطلق في مراحل، فإذا بلغ البريد المرحلة المعينة استراح، وتولى البريد الثاني نقل الرسائل إلى المكان المقصود... وبذلك تتم المراسلات.
وفي كتاب المعارف لعبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري جاء عن ذي قار قوله:
"يوم ذي قار كان سببه أن النعمان بن المنذر حين هرب من أبرويز استودع هانئ بن مسعود بن عامر الشيباني عياله ومائة درع، فبعث إليه أبرويز في الدروع وفي ابنيه فأبى أن يسلم ذلك فأغزاه جيشاً فاقتتلوا بذي قار فظفرت بنو شيبان، فكان أول يوم انتصرت فيه العرب من العجم".