بلوق الميز
الحكومة الصغيرة وتفعيل الحكم المحلي
الحكومة الصغيرة
مبدأ "الحكومة الصغيرة"
مصادر تمويل الحكومة في الدولة الحديثة والدور الجوهري لنظام الضرائب:
مصدر الدخل الرئيسي و (غالبا) الوحيد للحكومات في النظام الإداري والإقتصادي الحديث هي ( الرسوم والضرائب ) التي تقوم الحكومة بتحصيلها في مقابل الخدمات التي تقوم الحكومة بتقديمها.
هذه النقطة قد تبدو غير مهمة أو غير واضحة بالنسبة الى الكثيرين، ولكنها في الواقع تمثل أهمية جوهرية، وهي تمثل احد الأعمدة الأساسية التي يقوم عليها النظام الإداري والإقتصادي الحديث،
حيث انه ووفقا لهذا الترتيب فأن الحكومة تنسحب بشكل كامل من ممارسة النشاط الإقتصادي ومن الهيمنة على الموارد الإقتصادية وتترك ممارسة النشاط الإقتصادي بالكامل لإصحابه الطبيعيون الذين هم المواطنين، ويصبح المصدر الوحيد للموارد بالنسبة للحكومة هو الرسوم والضرائب التي تقوم بتحصيلها في مقابل الخدمات التي تقوم بتقديمها، وكما هو معروف فأن نسبة وقيمة الرسوم والضرائب يرتبط بشكل مباشر بحجم النشاط الإقتصادي الحقيقي الذي يمارسه المواطنون، فأذا أرتفع معدل هذا النشاط فأن دخل الحكومة من الضرائب والرسوم يرتفع تبعا لذلك، واذا أنخفض فأن دخل الحكومة ينخفض تبعا لذلك أيضا.
،،هذا الترتيب تم تصميمه لكي يحقق أفضل مستوى ممكن من التوازن الإيجابي بين الحكومة والمواطنين .
فالـمصدر الرئيسي لـموارد الحكومة يصبح هو المواطنين أنفسهم مما يفرض نوع من التوازن والندية في علاقة الحكومة مع المواطنين، ويجعل الحكومة مجبرة بشكل تلقائي على الإجتهاد في وضع الخطط والإستراتيجيات لتوفير البيئة الصحية المحفزة للمواطنين ولتشجيعهم وحثهم على توسيع ممارستهم للإنشطة الإقتصادية، واذا فشلت الحكومة في القيام بهذه المهمة فأن إيرادتها من الضرائب والرسوم سوف تنخفض تبعا لذلك بل أنها قد تتعرض للفشل والإفلاس وتصبح مضطرة للإستقالة والإنسحاب وترك مكانها لمن أهو أكثر منها قدرة وكفاءة،
كما ان هذا الترتيب سوف يؤدي بشكل تلقائي الى تقليص نسبة الفساد الى الحد الأدنى الممكن، لأن المجال الرئيسي للفساد هو الميزانيات والمشروعات الحكومية، والميزانيات والمشروعات الحكومية سوف تتقلص الى الحد الأدنى الممطلق.
وفي المقابل فأن علاقة المواطنين بالحكومة سوف تتحول الى الحرص على إستقرار النظام وتمكين الحكومة من القيام بمهامها المصممة أساسا لخدمة هؤلاء المواطنين الذين أصبحوا طرف رئيسي واساسي في التركيبة واصبحت لهم مصالح حقيقية يحرصون عليها ويحرصون تبعا لذلك على الأمن والإستقرار.
هذه لمحة سريعة بخصوص هذا الموضوع الهام والرئيسي، والمقام لا يتسع للخوض في التفاصيل المتشعبة التي تحتاج الى المزيد من البحث والتوضيح من أهل الإختصاص.
ما هي الحكومة الصغيرة (Small Government)؟
بغض النظر عن الخوض في التعريفات الأكاديمية والخلفيات التاريخية فأنه يمكن وبإختصار شديد تعريف مفهوم "الحكومة الصغيرة" بأنها الحكومة التي تحرص على الإنسحاب من المشهد قدر الأمكان وتقتصر على التركيز على المهمة الطبيعية للحكومات التي يمكن إختصارها في عبارة “ الدولة الحارسة والمُوجهة ” حيث يكون تركيز الجهاز الحكومي مركزا ومقصورا على المحافظة على سيادة وأمن البلد والمواطنين، ووضع التشريعات ورسم السياسات العليا والقيام بكل ما من شأنه المحافظة على السلم الإجتماعي وحماية الفئات الأضعف في المجتمع والمحافظة على البيئة وغيرها من المهام المشابهة، وفي نفس الوقت الإمتناع عن التدخل المباشر بأية صورة من الصور في الأنشطة الإقتصادية سواء كانت الخدمية أو الإنتاجية وترك تلك النشاطات لإصحابها الحقيقيون الذين هم عموم المواطنين مع تسخير الموارد المتاحة لتحقيق هذا الهدف بطريقة عملية وملموسة وبما يؤدي الى تحقيق نهضة إقتصادية.
أن مفهوم ونظام “الحكومة الصغيرة” (Small Government) او “الحكومة المحدودة” (Limited Government) ليس أمرا مستحدثا أو جديدا ولكنه فلسفة وأسلوب معروف ومطبق في أغلب دول العالم الناجحة بدرجات متفاوتة.
وبالنسبة الى الوضع القائم في ليبيا، فأن التركيبة الحكومية المتضخمة والمترهلة تستحود وتهيمن بشكل شبه كامل على الموارد والصلاحيات وتحاول التدخل في كل شئ، رغم أنها تفتقد بشكل شبه كامل للأسس والشروط التي تؤهلها للقيام بهذا الدور، ليس فقط بسبب قصور وفشل وسائل وأليات هذا الجهاز الحكومي الليبي ولكن بسبب تعارض هذا الوضع مع طبيعة ومنطق الأشياء. لقد تحول الجهاز الحكومي الليبي الى ما يشبه “ الغنيمة " التي يتصارع عليها الجميع، البعض يحاول الإستحواد والبعض الأخر يحاول الدفاع عن ما يراه حقوقه أو حصته منها!!
ان جميع التجارب المتكررة والمريرة تدل على ان هذا الفشل سيستمر والصراعات ستزداد ضراوة ودموية طالما بقت هذه "الغنيمة" موجودة، وأن الحل الوحيد المتاح امام هذا البلد هو تقليص هذه “الغنيمة” الى الحد الأقصى الممكن وتحقيق مبدأ "الحكومة الصغيرة" التي لن يجد المتصارعون سبب كاف للتصارع عليها، وتوفير البديل الطبيعي عبر تحويل الصلاحيات والموارد المتاحة من سبب للتصارع الى وسيلة لتحقيق التنمية الحقيقة وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين.
ان تحقيق مبدأ الحكومة الصغيرة متاح وممكن عبر العديد من السياسات والوسائل العـــمـــلـــيـــة الفعالة التي جربتها بنجاح الكثير من الشعوب وتمكنت عن طريقها من تحقيق مستويات عالية من العدالة وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين ومن تحقيق النمو الإقتصادي وتحويل الموارد التي كانت تهدرها الحكومات بدون طائل الى إسثتمارات حقيقية بما يؤدي الى شغل الناس في مجالات العمل الحقيقي المثمر وتحويلهم من الصراعات العبثية والدموية الى التنافس الشريف من أجل النهوض وفتح الفرص أمام الجميع، وهذا يؤدي بشكل تلقائي الى بعث روح الأمل والتفأول والثقة لدى الناس وتخفيف الإحتقانات ونشر مشاعر الإرتياح وروح الإنتماء الوطني.
هناك بالتأكيد العديد من التحديات والصعوبات التي تحتاج الى التعامل معها لتحقيق هذا المبدأ، ولكن يبقى التحدي الرئيسي هو توفر النخب والقيادات الوطنية الواعية والمخلصة والمتجردة والمستعدة للشروع في العمل والمستعدة للخروج من شرنقة الأفكار التقليدية العتيقة التي ما أنفكينا ونحن نجربها منذ سنوات طويلة دون ان تغني عنا شيئا.
ما هي الوسائل العملية المتاحة؟
لا شك ان الحديث بشكل متوسع عن البدائل المتاحة هو موضوع واسع ومتشعب ويتجاوز مجال هذا المجهود المتواضع ويحتاج الى أمكانيات ومجهودات أوسع، ولكننا سوف نكتفي في هذه العجالة بالتطرق الى بعض الملامح والى احد الأمثلة والنماذج التي نعتقد بشكل جازم أنها قابلة للتطبيق العملي الملموس وأنها قادرة على إحداث تغييرات أيجابية بشكل جوهري وجذري.
أن علينا أن نتذكر دائما حقيقة ان ليبيا لا تقع على كوكب خارجي ولكنها جزء من هذا العالم، وأن التحديات والمعضلات التي يواجهها الليبيون لا تختلف في جوهرها عن التحديات والمعضلات التي يواجهها غيرهم من البشر، وقد تمكنت الكثير من الشعوب من تصميم وإبتكار وسائل واساليب وأليات عملية للتعامل بنجاح مع تلك المعضلات والتحديات، ونحن لا نحتاج الى إعادة إختراع العجلة، وبأمكاننا الإستفادة من التجارب والأفكار والأساليب التي جربتها الشعوب الأخرى بنجاح مع إمكانية تطويرها وتحويرها وتكييفها مع الخصوصيات التي تميز الوضع الليبي.
سنكتفي في هذه العجالة بالإشارة الى مجموعة من الأليات والوسائل الـعـملـية المعروفة التي توفرها أسواق الأوراق المالية التي نعتقد بشكل جازم أنها قادرة على إحداث تغيير جوهري في الحالة الليبية اذا تم توظيفها وتطبيقها بالطريقة التي ستتم الإشارة الى ملامحها العامة في هذه العجالة، ومن المعروف ان هذه الوسائل تمثل أحد أهم الأسس التي تقوم عليها الإقتصاديات الحديثة مثل وسائل السندات الحكومية (Government Bonds) والسندات البلدية (Municipal Bonds) و وسيلة الأسهم (Stock)، ويقوم هذا المقترح على محاولة تكييف وتطويع هذه الأليات بما يناسب الوضع والمعطيات السائدة في ليبيا وبما يكفل معالجة الخلل القائم وتحقيق الأهداف المنشودة مثل تقليص دور الحكومة والقطاع العام وتطوير القطاع الخاص الأهلي وتمكينه من تحقيق حركة إقتصادية مؤثرة، وتحقيق التوزيع العادل للموارد بين المواطنين وبين المناطق بطريقة تنافسية وقادرة على تحفيز النشاط الإقتصادي الإيجابي كما سنحاول ان نبينه.
لا بد من الإشارة مجدد الى ان التحدي الأكبر هو قدرة النخب والقيادات السياسية الليبية على الخروج من دوامة الأفكار التقليدية النمطية، والإستعداد لتوسيع الأفق والإستفادة من الأساليب العملية القابلة للقياس والقادرة على تحقيق النتائج الملموسة .
أن إستيعاب الأفكار والوسائل التي يقوم عليها هذا المقترح يتطلب توفر مستوى مناسب من الإلمام بالأساسيات والقواعد والأليات التي تقوم عليها هذه الوسائل، فمثلا، أسوق الأوراق المالية تم تصميمها لكي تحقق جملة من الأهداف من بينها تحقق نقطة إلتقاء مشتركة بين رأس المال وأصحاب المشاريع بما يؤدي الى تجاوز وضعية الشركات القزمية الهامشية والوصول الى بناء مؤسسات وشركات كبيرة ذات ثقل إقتصادي مؤثر، وكذلك توفير وسائل عملية لفرض معاييرالشفافية والتنظيم الإداري والمحاسبي في عمل المؤسسات والشركات حيث ان كل الشركات ملزمة بإعتماد هيكلية إدارية متعارف عليها وملزمة بالإفصاح ونشر بيانتها المالية بشكل دوري ومفصل، وملزمة بالخضوع للمراجعة المحاسبية والقانونية بشكل مستمر، كما ان هذه المؤسسات والشركات معرضة وخاضعة لعوامل ومؤثرات السوق من حيث الإرتفاع والإنخفاض بما يحقق عنصر التنافسية الذي لا غني عنه لتطوير النشاط الإقتصادي، وهي تكفل تحقيق التوازن بين تخفيض إحتمالات التسيب والفساد المالي والإداري الى الحد الإدنى الممكن وفي نفس الوقت توفير مستويات عالية من المرونة وحرية إتخاد القرار دون التقيد بالبيروقراطية الحكومية التي تمثل أحد الإسباب الرئيسية في فشل الحكومات والشركات العامة.
لقد تطورت هذه الوسائل والأليات بطريقة طبيعية وعبر مئات السنين في الدول الأخرى حتى وصلت الى مستوى النضج والفاعلية التي هي عليه الأن، والتركيز الرئيسي لهذا المقترح هو تكييف وتطويع وتسخير هذه الوسائل والأليات لكي تتوافق مع الظروف والحالة الليبية القائمة حاليا، وتسهيل وتسريع الإستفادة منها للمساهمة في تقديم بديل عن الوضع المتأزم القائم الذي يتفق الجميع على أنه قد وصل الى طريق مسدود.
الميزة الهامة الأخرى هي أن هذه الأليات والوسائل يمكن تكييفها في الحالة الليبية من أجل توفير وسيلة يمكن عن طريقها تحقيق التوزيع العادل للموارد بين المواطنين والمناطق بما يؤدي الى تحقيق عدالة حقيقية ملموسة وفي نفس الوقت الى بعث حركة إقتصادية حقيقية وليس حركة إستهلاكية عابرة كما هو الحال عند توزيع سيولة نقدية على المواطنين، حيث ان رفع مستويات السيولة النقدية يؤدي غالبا الى نتائج سلبية تتمثل في رفع معدلات الإستهلاك دون ان يواكب ذلك تطوير حقيقي على مستوى الإنتاجية والخدمات.
لا بد من التذكير انه سوف تكون هناك حاجة الى الشروع بطريقة متوازية في إحداث تغييرات وتطويرات في بعض المحاور الأخرى حتى يمكن تحقيق إستفادة حقيقية وفعالة من الأليات والوسائل المتاحة المقترحة، وعلى سبيل المثال فأن هناك حاجة الى الشروع بشكل تدريجي في تطوير النظام الضريبي الليبي بحيث يصبح مؤهل لمواكبة هذه الأليات والوسائل وعلى تحفيز الإقتصاد الحقيقي القائم على الإنتاج وتقديم الخدمات ذات القيمة المضافة بدل الإقتصاد الإستهلاكي الهامشي، وكذلك ضرورة المضي بشكل متسارع وحقيقي في تطوير ودعم نظام الحكم المحلي اللامركزي القائم على تحقيق مستوى مناسب من الصلاحيات والمنافسة بين المناطق.
المهام التالية تبين بشكل مختصر ملامح الخطوات التي يمكن عبرها تكييف هذه الوسائل للحالة الليبية وتوظيفها لتحقيق الأهداف التي تمت الإشارة أليها، وهذه المهام والخطوات سوف تحتاج بطبيعة الحال الى المزيد من التفاصيل والإنضاج، والى خطة عملية لتطبيقها بشكل متوازي أو شبه متوازي:
المهمة الأولى:
تحويل الجزء الأكبر من الموارد المالية التي تخصص حاليا للميزانيات الحكومية ويستهلكها القطاع الحكومي العام بدون فاعلية، وتوزيع تلك الموارد على المواطنين بطريقة عادلة في صورة إيصالات (كوبونات) تحت الطلب غير قابلة للصرف النقدي ولكنها قابلة للإستخدام في شراء أسهم الشركات وفي شراء السندات الحكومية والبلدية،
مع ترك الحرية للمواطنين في إختيار الأسهم والسندات التي يرغبون في شرائها سواء بصفة مباشرة أو عبر شركات ووكالات مختصة في الإستثمار وإدارة المحافظ الإستثمارية.
أحدى النقاط البالغة الأهمية في هذا الصدد هي إمكانية الإستفادة من هذه الوسيلة في التعامل مع معضلة تكدس الموظفين في الجهاز الحكومي عن طريق تخصيص جزء من الموارد لتوزيعها بنفس طريقة الإيصالات (الكوبونات) على الموظفين الذين يتقاضون مرتباتهم من الخزانة العامة في مقابل تركهم الوظائف الحكومية والتحول الى القطاع الخاص (المزيد من التفاصيل لاحقا).
المهمة الثانية:
الشروع بالتوازي مع النقطة الأولى في تأسيس سوق للأوراق المالية والسندات، أو تطوير ما هو متوفر حاليا، لكي يكون الإطار الذي تحدث فيه عمليات التبادل والشراء والبيع حسب المعايير والأليات المتعارف عليها عالميا، علما بأن أغلب العمليات أصبحت الأن تدار ألكترونيا عبر الأنترنت، والوضع الطبيعي هو ان هذا السوق سيكون متاح للمستثمرين الذين يرغبون في ممارسة النشاط الإقتصادي بمختلف مجالاته حسب الشروط والمعايير القانونية والتنظيمية المتعارف عليها التي يقوم عليها هذاالسوق، وسوف يتوفر تحت تصرف المواطنين القدرة لشراء الأسهم والسندات المعروضة، بناء على إختيارهم الخاص بهم ودون تدخل من الحكومة، وذلك بإستخدام الإيصالات الغير نقدية التي تم توزيعها عليهم، كما أنه سوف يكون متاحا للمستثمرين لتمويل الشركات التي تقوم بمختلف الإنشطة الإقتصادية والخدمية، وستكون المعايير الرئيسية التي تتحكم في تعاملاته هي معايير التنافس والإحتياجات والظروف الحقيقية للسوق وليس معايير التخطيط الحكومي المركزي التقليدي.
المهمة الثالثة:
بالتوازي مع النقاط السابقة، وحيث ان “ثقافة” الإستثمار والتعامل عبر الأسوق المالية غير منتشرة وتكاد تكون غير معروفة في ليبيا، وحيث ان مثل هذه التجربة سوف تحتاج في المراحل المبكرة الى دفعة أولية من أجل تمكينها من الإنطلاق وإكتساب الزخم اللازم، بسبب كل ذلك فأنه ستكون هناك ضرورة لوضع خطة عملية تهدف الى دعم وتسهيل المراحل المبكرة لهذا السوق، وفي نفس الوقت الى العمل على توجيهه الى التركيز على الخدمات والإنشطة الحيوية الأساسية التي تحتاجها البلد بشكل عاجل مثل مجال الخدمات الصحية والتعليم والأسكان وتطوير البنية التحتية وغيرها، على أن يتم هذا التوجية بطريقة غير مباشرة وبدون التأثير سلبيا على عوامل التنافسية.
على سبيل المثال وليس الحصر، يمكن للدولة أن تبادر عبر الصناديق الأستثمارية الموجودة حاليا أو عبر تأسيس صناديق إستثمارية جديدة وعبر إتاحة المجال أمام البلديات لتأسيس صناديق إستثمارية خاصة بها، يمكنها المبادرة الى تكوين مجموعة من الشركات التي تنشط في مجال الإستثمار في الخدمات الصحية وشركات التأمين الصحي وشركات إدارة المستشفيات بحيث أن لا تتجاوز نسبة مشاركة الحكومة أكثر من 49٪ ثم طرح أسهم هذه الشركات للتداول بما يفتح المجال أمام المواطنين لشراء تلك الأسهم بإستخدام الإيصالات (الكوبونات) المتوفرة لديهم، وهذا سوف يوفر لهذا القطاع الموارد المالية اللازمة للتوسع والتطور بطريقة تنافسية وشفافة ودون تدخل مباشر من الحكومة وبمشاركة قاعدة واسعة من المواطنين. وفي نفس الوقت على الدولة أن تقوم بالشروع في إحداث تغييرات في هيكلية قطاع الصحة تقوم أساسا على إعتماد العمل بنظام التأمين الصحي، وفي نفس الوقت تحويل المرافق الصحية الحكومية الحالية بشكل تدريجي للعمل بنظام التأمين الصحي بحيث يتوقف إعتمادها على الميزانيات الحكومية وتتحول الى مؤسسات معتمدة على نفسها وعلى دخلها الذاتي بما يخلق بيئة تنافسية كما هو الحال في مختلف دول العالم، وسوف تتحرر تلك المؤسسات من البيروقراطية الإدارية الحكومية المثبطة وتتمتع بإستقلالية كاملة في إتخاد القرارت في نطاق مواردها المالية، كما سيكون بأمكانها الدخول في شراكة متكافئة مع أطراف خارجية تمتلك الخبرة والأمكانيات التقنية دون الحاجة الى المرور عبر البيروقرطية الحكومية التي تعاني غالبا من الفساد، وهذا سيؤدي الى الى تقليص القطاع الصحي العام الذي برهن على فشله طوال السنوات الماضية وتوفير الموارد الطائلة التي كان يهدرها هذا القطاع بدون مردود وتوفير البديل الفعال، مع إستمرار القطاع الصحي الحكومي في ممارسة مهمته الطبيعية المتمثلة في مراقبة وتنظيم نشاطات الخدمات الصحية بما يضمن توافقها مع المعايير والتشريعات السارية في القطاع من الناحية الفنية.
ان هذا الترتيب سوف يؤدي الى تحقيق أفضل مستوى ممكن من التعاون والشراكة المثمرة والفعالة بين القطاع الحكومي والقطاع الأهلي الخاص في ظل عوامل التنافسية والشفافية وسيجعل إهتمامات ونشاطات كل قطاع مركزة على نقاط القوة التي يتمتع بها، كما أنه سوف يحقق أفضل مستوى ممكن من توسيع قاعدة المشاركة وعدالة توزيع الموارد والفرص بين المواطنين.
نفس الذي ينطبق على قطاع الخدمات الصحية ينطبق أيضا على القطاعات الأخرى، فمثلا يمكن للدولة ان تساهم بنسبة لا ينبغي ان تتجاوز 49٪ في تأسيس شركات في مجالات الإتصالات وتقنيات المعلومات والمقاولات الأنشائية والخدمات السياحية والمصارف والنشاطات الصناعية والزراعية وغيرها من الخدمات الحيوية والهامة، ثم تترك المجال للمواطنين لشراء باقي أسهم هذه الشركات بإستخدام الموارد التي تم توزيعها عليهم حسب إختيارتهم الخاصة بهم، وبما يوفر التمويل المالي اللازم في ظل ظروف التنافسية والشفافية التي تم تصميم أسواق الأوراق المالية أساسا لتوفيرها. والمجال ينبغي أن يبقى مفتوحا بطبيعة الحال للمواطنين لتأسيس الشركات وإدراجها في السوق حسب الإجراءات والنظم المعمول بها. والموضوع متشعب ويحتاج الى المزيد من البحث والتوضيح.
مع التذكير أنه تتوفر وسائل وأليات وتقنيات كثيرة وناضجة مصممة لتنظيم وتسهيل معاملات أسواق الأوراق المالية، فعلى سبيل المثال وليس الحصر تتوفر وسيلة صناديق الإستثمار المشتركة (Mutual Funds) والتي تقوم على فكرة توفير ألية أو وسيلة تتيح للأفراد الإشتراك في هذه الصناديق لغرض إستثمار أموالهم بالإستفادة من الخبرة والأمكانيات والثقل الإستثماري وتقليل المخاطر الذي توفره هذه الوسيلة بالمقارنة مع الإستثمار الفردي في مقابل تسديد رسوم لهذه الصناديق أو منحها نسبة من الإيرادات.
ان تخصيص موارد لهذه الوسائل والأليات مقارنة بما يتم توفيره للقطاع العام سوف يؤدي الى بعث حركة إقتصادية مؤثرة من شأنها أن تفتح فرص العمل والكسب لأعداد كبيرة من المواطنين وتوسع قاعدة المشاركة الشعبية الى أقصى مستوى ممكن، وسوف تساهم بشكل جذري في حل الكثير من المشاكل والإختناقات التي تعاني منها ليببا في مجال الخدمات، وبصفة عامة سوف تفتح الأفاق أمام الناس وتساهم في إعادة روح الأمل والثقة أليهم بما يساهم بشكل كبير في تخفيف الإحتقان القائم.
مع التذكير ان النظم الإدارية والمحاسبية والتقنيات والوسائل الفنية التي تقوم عليها أسواق الأوراق المالية متاحة ومتوفرة ويمكن الحصول عليها بيسر عبر طرق مختلفة، مثلا عن طريق الدخول في شراكة مع المؤسسات والشركات المختصة في هذا المجال.
المهمة الرابعة:
السندات البلدية (Municipal Bonds):
يقوم المقترح على تخصيص نسبة من موارد الدولة لتوزيعها على المواطنين في صورة إيصالات (كوبونات) تحت الطلب غير نقدية وصالحة فقط لشراء السندات البلدية. وكما هو معروف فأن الحكومات والبلديات تستخدم نظام السندات من أجل توفير الموارد المالية التي تُمكنها من تنفيذ مشاريع البنية التحتية وبعض الخدمات الأساسية التي قد لا تناسب القطاع الخاص، وفي المقابل فأن تلك الجهات الحكومية تكون ملزمة بترجيع قيمة السندات الى أصحابها مضافا أليها نسبة متفق عليها من العوائد بعد مضي فترة زمنية متفق عليها. وتقوم الحكومات والبلديات بتسديد قيمة السندات من العوائد المباشرة التي قد توفرها المشاريع التي تم تمويلها أو من العوائد الغير مباشرة التي تكون غالبا في صورة رسوم وضرائب ناتجة عن تنفيذ تلك المشاريع وعن النشاطات الإقتصادية الإضافية الناتجة عن تلك المشاريع.
سيكون بأمكان الجهات الحكومية والبلديات تمويل المشاريع التي ترغب في القيام بها عن طريق إصدار وعرض السندات الخاصة بتمويل المشاريع عبر الأليلت والضوابط المتعارف عليها عالميا، وسيكون عليها مهمة تسويق تلك السندات وإقناع المواطنين بإستثمار المبالغ المتوفرة لديهم في صورة إيصالات لشرائها.
أن هذا الترتيب سوف يؤدي الى تحقيق العديد من الإهداف الإيجابية مثل توفير مصدر تمويل لدعم التنمية المكانية المحلية بطريقة تنافسية ومسئولة دوافعها الأساسية هي عوامل السوق والإحتياجات الحقيقية ورغبات المواطنين وليس مجرد ظنون أو رغبات المسئولين الحكوميين، وستكون الجهات الحكومية ملزمة بإعادة تسديد قيمة المبالغ التي إستدانتها من المواطنين عن طريق السندات مما سوف يجعلها خاضعة لعوامل التنافسية والشفافية، وللعلم فأن الأنظمة الإدارية والمالية في أغلب دول العالم المتقدمة تجعل البلديات تعمل بنظام يشبه الى حد كبير نظام المؤسسات التجارية بما في ذلك أمكانية تعرضها لإعلان إفلاسها في حالة عدم قدرتها على الوفاء بإلتزاماتها المالية (المزيد من التفاصيل لاحقا).
كما أن هذه الألية سوف تؤدي الى تحقيق أفضل مستوى ممكن لعدالة توزيع الموارد بين المناطق، حيث ان المناطق سوف تتحصل على نسب من الموارد تتناسب مع الكثافة السكانية مع أمكانية وضع بعض الترتيبات لتعويض المناطق النائية والبعيدة والتي لا تتواجد بها كثافة سكانية عالية، كما أن هذه الألية سوف تؤدي الى خلق بيئة تنافسية صحية في ما بين المناطق المختلفة، بالإضافة الى توسيع قاعدة المشاركة الفعلية وتوفير مصدر دخل إضافي وفرص للمواطنين سواء عن طريق ما يجنونه من عوائد السندات او عبر فرص العمل والفرص الإقتصادية التي تتيجها المشاريع الناتجة عن هذا الترتيب.
وكما هو معروف فأن الحكومات والبلديات تعتمد على مصدرين أساسين لتسديد قيمة السندات الحكومية وعوائدها: المصدر الأول هو العوائد المباشرة للمشاريع المنفذة، والمصدر الثاني هو عوائد الرسوم والضرائب الإضافية الناتجة عن توسع الحركة الإقتصادية كنتيجة لمشاريع البنية التحتية التي تم تنفيذها عبر التمويل بطريقة السندات، وهذا سوف يستوجب القيام بتعديل وتطوير نظام الضرائب بما يعكس هذه الوضعية ويعطي للبلديات صلاحيات تشمل تحديد قيم هذه الرسوم والضرائب وتحصيل تلك القيم بما يؤدي الى خلق بيئة تنافسية بين البلديات.
على سبيل المثال وليس الحصر، لنفترض ان مدينة بنغازي تعاني من أزمة في السكن، وأن بلدية بنغازي ترغب في المساهمة في حل هذه المشكلة، الطريقة التقليدية تقوم على قيام بلدية بنغازي بمطالبة الحكومة المركزية بتخصيص الميزانيات من أجل تنفيذ المشاريع لحل هذه المشكلة، وما يرافق ذلك من مظاهر البيروقراطية الإدارية بكل ما يرتبط بها من فساد وفشل وغياب للفاعلية والكفاءة.. بدلا عن ذلك سيكون بأمكان هذه البلدية ان تقوم بعرض مقترح (Business Plan) لمشروع يهدف الى فتح مخطط سكني جديد قائم على مواصفات فنية تتناسب مع المعايير العالمية المتعارف عليها ويشتمل على توفير الخدمات الأساسية مثل الصرف الصحي والكهرباء والإنارة وترصيف الشوارع، ويتم عرض المقترح في صورة مشروع إستثماري يوضح التكاليف ويراعي توفير عوائد بالطرق المتاحة مثل تقسيم المشروع الى قطع ارض وبيعها الى المستثمرين أو مباشرة الى المواطنين بطريقة شفافة ومكشوفة حسب أسعار السوق وبما يغطي تكاليف المشروع ويحقق المردود المناسب للمستثمرين. سيكون على البلدية القيام بتسويق المشروع مثل أي مشروع إستثماري أخر وإصدار وتسويق السندات الخاصة بهذا المشروع وتوفير الضمانات للمستثمرين حسب الألية المتعارف عليها، ثم بعد ذلك إستخدام الموارد الناتجة عن بيع هذه السندات في تنفيذ المشروع حسب المواصفات الفنية وعن طريق الشركات المتخصصة التي من الممكن ان تكون قد تم تمويلها عن طريق بيع أسهم في سوق الأوراق المالية. أن هذا السيناريو هو الذي يحدث غالبا في أغلب الدول المتقدمة، ويقتصر دور الحكومة (البلدية) في هذا السيناريو على القيام بجزء محدود من المهمة، وعمل الحكومة سيكون محكوما بشكل كامل بعوامل ومؤثرات السوق، فالبلدية سوف لن يكون بأمكانها الحصول على التمويل اللازم للمشروع اذا لم تستطع ان تقنع المواطنين وتقدم لهم الضمانات الكافية بجدوى إستثمار أموالهم فيه، وفي نفس الوقت فأن قطاع عريض من المواطنين سيكونون طرفا مستفيدا من العوائد التي سيتم تحقيقها من المشروع، كما سيتم ايضا تحقيق التعاون والشراكة المثمرة بين القطاع الحكومي والقطاع الأهلي تحت تحكم عوامل السوق دون الحاجة الى الإعتماد على الإجهزة الرقابية التي برهنت على أنها جزء من المشكلة وليست جزء من الحل.
والخلاصة وبإختصار شديد فقد أهدر هذا البلد طوال السنوات الماضية مئات المليارات دون تحقيق إنجاز أو تطوير حقيقي ملموس، بل على العكس فقد كانت النتائج سلبية تمثلت في زيادة رقعة الفساد ونشر مشاعر الغضب والشعور بالغبن بين المواطنين، ونحن على ثقة أن تخصيص مجرد جزء بسيط من الموارد المتاحة لإنفاقها حسب هذا المقترح سيكون من شأنه إحداث تغيير جوهري في الحالة الليبية سيؤدي الى فتح الأبواب نحو تنمية وتطور إقتصادي حقيقي والدخول الى مرحلة جديدة تقوم على التنافس الشريف والمتكافئ من أجل بناء الوطن وتطويره وتوفير حياة كريمة لمواطنيه، وأن من شأن ذلك ان يعيد الأمل والثقة التي أصبحت مفقودة، وان يساهم بشكل جذري في إحداث إنفراج حقيقي وتخفيف حدة التوتر والإحتقان بما يفتح الباب نحو مصالحة وطنية شاملة ونحو طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة عبر تحقيق النقاط الاتية:
ـ تقليص دور الحكومة والقطاع العام بشكل جذري وتقليص الموارد والميزانيات التي كانت تخصص لهذا القطاع بنسبة يمكن ان تصل الى 80،٪ أو أكثر وتحويل تلك الموارد الى التصرف المباشر للمواطنين وهذا سوف يساهم في تقليص الصراعات والتنافس المحموم على السلطة وعلى المناصب الحكومية وفي تحويل هذا الصراع المدمر الى تنافس شريف وإيجابي قادر على بعث نهضة حقيقية بأذن الله،
ـ تقديم فرصة حقيقية لإحداث نهضة إقتصادية في ليبيا وتحسين مستويات الخدمات وفتح مصادر جديدة للدخل للمواطنين عن طريق فتح المجال لإستثمار الموارد المتاحة عبر الأليات والأساليب العملية والتنافسية والشفافة التي تمت الإشارة اليها، وهذا سوف يؤدي الى إعادة الأمل والثقة بين الناس والى تخفيف حالة الإحتقان بشكل جذري، وهذا بدوره سوف يؤدي الى تحسن جذري في الحالة الأمنية،
ـ تحقيق أفضل مستوى ممكن لعدالة توزيع الموارد وتكافؤ الفرص بين المواطنين وكذلك بين المناطق، وهذا سوف يؤدي ايضا الى تخفيف حالة الإحتقان،
بعض النقاط الإضافية التي تحتاج الى المزيد من الدراسة والبحث:
كما أشرنا سابقا فأن هذه الأسطر القليلة هي مجرد مسودة أولية لبعض الأفكار وقد تمت صياغتها على عجل وتحتاج الى الكثير من التنقيح والتطوير، وهناك الكثير من النقاط والجوانب الأخرى التي ترتبط بشكل وثيق ومباشر مع هذاالمقترح والتي تحتاج أيضا الى تغييرات بنيوية جذرية، ومن أمثلة ذلك:
1 ـ الحاجة الى تطوير نظام الضرائب الليبي بصورة جذرية بدل النظام البدائي القائم حاليا وبحيث يكون الهدف تعزيز عناصر التنافسية والتحفيز للإقتصاد وبما يتيح القدرة على توجيه الإقتصاد على المستوى الإستراتيجي بطريقة غير مباشرة،
2 ـ الحاجة الى تطوير نظام الحكم المحلي وإعطائه صلاحيات إضافية بما يعزز عناصر التنافسية بين المناطق
3 ـ ضرورة الشروع بطريقة تدريجية في إجراءات تهدف الى تعويم وتحرير العملة الليبية وربطها بالإقتصاد العالمي،
وهناك العديد من الأفكار والنقاط الأخرى ذات العلاقة التي تحتاج الى تكاثف جهود المخلصين والوطنيين من أجل توضيحها وتحويل كل هذه الأفكار الى جزء ومكون أساسي من رؤية وطنية متكاملة ووضعها بين ايدي عموم الليبيين والعمل على تحويلها من مجرد مقترح الى مشروع وطني قابل للتطبيق الفعلي.
والله ولي التوفيق،
المشروع: #الإنتقال_من_دولة_الإقطاع_الى_دولة_المواطنة
الوسيلة أو الأطار العملي: #مبدأ_الحكومة_الصغيرة
مبادرة الحكومة الصغيرة
حراك دولة المواطنة
عند الاشتراك في المدونة ، سنرسل لك بريدًا إلكترونيًا عند وجود تحديثات جديدة على الموقع حتى لا تفوتك.
By accepting you will be accessing a service provided by a third-party external to https://almaze.co.uk/
تعليقات