دولة المواطنة
الانتقال من التركيبة الاقطاعية الي تركيبة دولة المواطنة
هل لها اساس علمي مبني على استقراء لاحصائيات دقيقة ويضع سقف زمني ومرحلي للانجاز ؟
ما هو الإقطاع ( Feudalism ) ؟
قد لا يوجد تعريف واحد محدد ، ولكن توجد صيغ متعددة تقود جميعا الى نفس التعريف تقريبا وهو أن الإقطاع تنظيم اقتصادي اجتماعي سياسي يقوم على غياب مفهوم الدولة والمواطنة وإنتشار صيغ وأساليب وأعراف تحكم العلاقات بين الناس تقوم على توفير إمتيازات لفئة محدودة من الأفراد على حساب باقي الناس ، دون ان تكون تلك الإمتيازات قائمة على أساس الجهد الحقيقي المبدول والمردود المتحقق بصفة حقيقية من ذلك المجهود في ظل توفر مستوى مناسب من الشفافية وتكافؤ الفرص بين الجميع.
هذا التعريف ينطبق الى أقصى الحدود على ما يسمى بـ ( منظومة الحكم والإدارة ) الليبية ، أو بالأحرى الكومة الهلامية التي لا تزال تهيمن على هذا البلد وتتولى مهمة تسييره وإدارته ، والنتائج التي تحققها هذه الكومة ليست خافية.
بقى ان تعلم ان النظام الإقطاعي كان لا يزال سائدا في اوربا الى حوالي 500 سنة مضت ، ثم تمكنت تلك الشعوب عبر سلسلة طويلة من التغييرات الجذرية من التخلص من هذا النظام الإقطاعي وأستبدلته بنظام ( دولة المواطنة ) الحديثة ، ولم تتوقف محاولات التطوير والتحسين ، ولن تتوقف ، بهدف الوصول الى تحقيق افضل مستوى ممكن من العدالة الإجتماعية والشفافية وتكافؤ الفرص .
الفرق بين دولة المواطنة والتركيبة التقليدية الإقطاعية ؟
الدولة الإقطاعية، يحكمها فرد أو عائلة أو حزب أو أي مجموعة تسمي تفسها ( الحكومة )، وهذه الحكومة تمتلك وتحتكر حق التصرف في موارد وأرزاق ومصائر العباد، وفي بعض الأحيان يتم إضافة بعض الإجهزة الرقابية لغرض الديكور والبهارات على طريقة ( أطلق الغراب وأجرى تحته)..
دولة المواطنة، في المقابل، تقوم على أساس ملكية المواطنين للموارد ووسائل النشاط الإقتصادي، بينما تتولى الحكومة القيام بدورها الطبيعي المتمثل في القيام بدور الجهة ( الحارسة والموجهة )، ويتمحور هذا الدور على القيام بالمهمة الطبيعية للحكومات وهي المحافظة على سيادة الدولة وفرض الأمن والسلم الإجتماعي، وبناء وتهيئة البيئة الصحية الصالحة والمحفزة للنشاط الإقتصادي عبر وسائل وأدوات غير مباشرة مثل سن التشريعات ورسم سياسة الضرائب والتمويل وغيرها،، وتقوم الحكومة بتغطية مصاريفها عن طريق جباية نسبة محددة ومتعارف ومتفق عليها من عوائد النشاط الإقتصادي في صورة ( رسوم وضرائب )، دون ان تتدخل الحكومة بأية صورة من الصور في الممارسة المباشرة للإنشطة الإقتصادية أو الهيمنة على الموارد بشكل مباشر ، وهذا يؤدي بشكل تلقائي الى ان الحكومة ستبدل كل جهدها وتركيزها للعمل من أجل خلق وتوفير بيئة ومناخ محفز للنشاط الإقتصادي وتشجيع وحث المواطنين على ممارسة هذا النشاط ، فمصدر التمويل الوحيد للحكومة يعتمد على الضرائب والرسوم ، وقيمة الضرائب والرسوم تعتمد بشكل مباشر على حجم النشاط الإقتصادي الذي يمارسه المواطنون ، واذا كان حجم النشاط الإقتصادي كبير ومزدهر فأن مداخيل الحكومة من الضرائب ستكون كبيرة تبعا لذلك ، اما اذا أنخفض وتقلص حجم النشاط الإقتصادي فأن مداخيل الحكومة ستنخفض وتتقلص تبعا لذلك ، وقد تجد الحكومة نفسها غير قادرة على تغطية مصاريفها وتضطر بشكل تلقائي الى الإستقالة والإنسحاب وترك المجال لمن هو اقدر منها على القيام بالمهمة .
النتيجة الطبيعية لهذا الترتيب هو قيام نوع من التوازن والتكامل والإنسجام بين ( الحكومة ) و ( المواطنين )، حيث يقوم كل طرف بتأدية الدور الطبيعي الذي يحسن القيام به دون الإخلال بالتوازن، فلا الحكومة يمكنها ان تطغى على المواطنين، لأن الحكومة تعتمد في مواردها وتمويلها أصلا على هؤلاء المواطنين ، ولا المواطنين يوجد لديهم سبب يدعوهم الى التمرد على الحكومة لأنهم يعلمون أنهم طرف اساسي وجوهري في المعادلة وأن التمرد على الحكومة والإخلال بالنظام سوف يعرض مصالحهم المباشرة للخطر،، والنتيجة تكون غالبا تحقيق معدلات عالية من العدالة والشفافية وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وهذا يؤدي غالبا الى تحقيق الإستقرار والنمو الإقتصادي والسلم الإجتماعي والامن والامان.
طبعا هذا لا يعني ان نظام دولة المواطنة قد وصل الى ( درجة الكمال )، فالكمال لله وحده، ولكن هذا الترتيب برهن على المحك العملي على أنه أفضل المتاح حتى الأن، وبرهن على مستوى عالي من المرونة والقدرة على التكيف وتصحيح المسار.
في المقابل ، في ( التركيبة الإقطاعية ) ، يكون الناس دائما تحت رحمة ( الحكومة )، وتحت رحمة الصدف ومزاج وضمائر الأفراد المتنفذين في الحكومة، والموضوع مرتبط بالحظ والصدفة، وقد برهنت التجارب أن هذ الحظ يكون غالبا المزيد من الظلم والفقر والبؤس، والنتيجة الحتمية لذلك تكون دائما إنتشار مشاعر الغبن والتمرد والإضطرابات والصراعات والدمار.
جوهر مأساة المنطقة العربية يكمن في فشل هذه المنطقة حتى الأن في الخروج من القوالب الفكرية العتيقة للدولة الإقطاعية المحنطة، وفي فشلها في فهم وإستيعاب الأسس والمبادئ والأدوات العملية التي تقوم عليها دولة المواطنة، رغم وضوح الصورة ورغم ان الموضوع ليس معقد الى الدرجة التي تجعله يستعصي على الفهم ،، وبناء وتكوين دولة المواطنة لا يمكن ان يتحقق عن طريق الإستمرار في تكرار نفس الأفكار والوسائل المستهلكة المنتهية الصلاحية ، ولا عن طريق الإداعات والخطب والأناشيد الحماسية، كما يحاول العرب ان يفعلوا منذ بضع مئات من السنين
الخلاصة هي أن الطريق لتكوين دولة المواطنة هو عن طريق تحقيق التوازن الذي تمت الإشارة أليه أنفا بين الحكومة والمواطنين، وما عدا ذلك فأنه لا يتعدى بعض الأوهام والأمنيات الطيبة.
والله غالبا على أمره..
المشروع: #الإنتقال_من_دولة_الإقطاع_الى_دولة_المواطنة
الوسيلة أو الأطار العملي: #مبدأ_الحكومة_الصغيرة