ليس من السهل التحدث عن نقاط تحول بالنسبة لبلد كباكستان خسر اكثر من 70 الفا من ابنائه للارهاب في 13 سنة.
ولكن الهجوم الوحشي الذي نفذه مسلحو حركة طالبان على مدرسة يديرها الجيش في مدينة بيشاور شمال غربي باكستان، والذي راح ضحيته اكثر من 130 من تلاميذ المدرسة، قد يمثل نقطة تحول في بلد طالما اتهمه العالم باستخدام المنظمات الارهابية كادوات استراتيجية.
ففي اليوم التالي للهجوم، وفيما كانت باكستان تندب قتلاها وكانت بيشاور تدفن ابنائها، اعلنت القيادات السياسية الباكستانية عن انها لن تميز بعد اليوم بين طالبان "الجيدين" و"الاشرار."
وتعهد رئيس الحكومة نواز شريف، الذي كان يتحدث وهو محاط بحلفائه وخصومه السياسيين، بأن البلاد ستواصل القتال حتى مقتل آخر ارهابي.
وفيما كان شريف يقول ذلك، كان رئيس اركان الجيش الباكستاني الجنرال رحيل شريف يجتمع بالرئيس الافغاني اشرف غني وقادة التحالف الغربي العسكريين في كابول سعيا للحصول على مساعدتهم في محاربة خطر قال إنه "اصاب قلب الامة الباكستانية."
فهل تكون هذه الفاجعة نقطة التحول التي ما برحت باكستان تبحث عنها لسنوات ؟
قد تكمن الاجابة في تصريح رئيس الحكومة نواز الشريف، الذي تضمن ليس نوايا فقط ولكنه تضمن ايضا اعترافا بأن باكستان اختطت لعدة سنوات سياسة منافقة تجاه المجموعات المسلحة المختلفة التي تتخذ من اراضيها قاعدة لشن هجمات خارج البلاد.
ببساطة، وحسب المنظور الباكستاني التقليدي، فإن المسلحين الذين يستهدفون القوات الدولية في افغانستان والقوات الهندية في كشمير هم "الطالبان الجيدون"، اما اولئك الذين اعلنوا ولاءهم لتنظيم القاعدة بعد هجمات سبتمبر / ايلول 2001 ونفذوا هجمات ارهابية داخل باكستان فهم "الطالبان الاشرار."
المشكلة في هذا الطرح تكمن في حقيقة ان مسلحي طالبان لم يعتمدوا ابدا هذا التمييز الذي جاء به صناع السياسة في باكستان. فمجموعات طالبان المختلفة كانت تتعاون تنظيميا وعملياتيا فيما بينها مستفيدة من تخبط السياسة الباكستانية. وفي غضون ذلك، كانت هذه المجموعات تعزز وجودها وتقويه في منطقة القبائل الخارجة عن سيطرة الدولة دون وازع.
وعاد تردد رئيس الاركان السابق الجنرال كياني بالنفع الكبير على تنظيمات طالبان، ففي فترة توليه قيادة القوات المسلحة التي استمرت ست سنوات، واجه كياني انتقادات لاذعة لاخفاقه في بلورة استراتيجية لمواجهة الارهاب - حتى بعد ان خولته الحكومة ذلك.
ونتيجة هذا الاخفاق، كان كل هجوم جديد يشنه مسلحو طالبان على الجيش يزيد من نقمة الاخير، ليس ضد الحكومة فحسب بل ضد قيادة الجيش ايضا.
كان هذا هو السبب وراء اسراع رئيس الاركان الحالي الجنرال شريف في شن ما اطلق عليها "عملية عسكرية شاملة" ضد معاقل طالبان في اقليمي وزيرستان الشمالي والجنوبي.
ولكن تجاوب الطبقة السياسية الباكستانية، التي كانت لا تزال موغلة في تخبطها السياسي، مع هذه العملية العسكرية كان فاترا في احسن الاحوال.
وكان الجنرال شريف قد قال "سننال منهم"، في اشارة الى طالبان باكستان وطالبان البنجاب وتنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات المسلحة المتطرفة وخصوصا شبكة حقاني. الا ان الطبقة السياسية آثرت الصمت.
ولكن يبدو ان مجزرة بيشاور الاخيرة قد غيرت ذلك.
فعلى المدى القصير، قد تكون حركة طالبان قد حققت ما كانت ترمي اليه، الا وهو توجيه ضربة موجعة للجيش. فالمدارس الـ 128 التي يديرها الجيش في باكستان يدرس فسها اكثر من 150 الف تلميذ، 90 بالمئة منهم ابناء ضباط يخدمون في القوات المسلحة.
لذا فالهجوم جلب الحرب بكل بشاعتها الى عقر دار الجيش.
كما برهن المسلحون على قدرتهم على التخطيط لهجمات وتنفيذها اينما يريدون رغم ادعاءات الجيش بأنه دمر قدراتهم العملياتية والتنظيمية.
اضافة لذلك، مثلت المجزرة كسبا اعلاميا للمسلحين تجاوز حدود باكستان.
ولكن هذه "الانجازات" تقابلها بشاعة الحرب التي مثلتها مجزرة بيشاور.
فخلف كل تلميذ قتلوه في بيشاور يوجد الغضب واليأس الذي يشعر به المسلحون ازاء ما يعتبره كثير منهم خيانة متعاطف - ان لم نقل حليف - سابق.
فبالنسبة لمسلحي طالبان كانت المجزرة انتقاما مجردا، إذ لم يكن ورائه اي فكر او نظرة استراتيجية او سياسية عدا نظرتهم المبنية على اخضاع الناس بالارهاب. ويبدو ان مسلحي طالبان غير مهتمين بأن فعلتهم قد تكون دفعت القيادتين السياسية والعسكرية في باكستان الى اعادة النظر في سياسية "الطالبان الجيدين" و"الطالبان الاشرار."
ولكن الاكثر اهمية بالنسبة لرئيس الاركان الجنرال شريف هو الانحسار الحتمي لأي اثر للتعاطف مع مسلحي طالبان في صفوف الجيش الباكستاني الذي كان مرجعهم قبل عشر سنوات فقط. فهذا التعاطف غسلته دموع المئات من الاسر العسكرية في طول باكستان وعرضها.
هل يعني ذلك ان حربا حقيقية على الارهاب قد اندلعت اخيرا في باكستان ؟
من السابق لاوانه الجزم بهذا، خصوصا اذا اخذنا في الحسبان الطبيعة المعقدة لعلاقة باكستان بحركة طالبان.
ولكنه من الواضح ان باكستان تسعى الآن للانتقام بشكل واضح ولا لبس فيه، وهذا الانتقام قد لا يتأتى الى عن طريق مبادلة "الطالبان الجيدين" بـ"الاشرار" مع افغانستان.
وبالنسبة لبلد له تاريخ في استيلاد التنظيمات المسلحة لاغراضه الاستراتيجية يعود 35 عاما، قد يكون هذا هو المدى الاقصى لأي نقطة تحول، في الوقت الراهن على الاقل.