كثيرا ما تظهر صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على صدر الصفحات الأولى لكبريات الصحف الألمانية هذه الأيام، كما تحتل العلاقات الألمانية الروسية عناوين الصحف وتشغل السياسيين منذ شهور.
وخلال الأسبوع الجاري، أشارت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل في خطاب لها في أستراليا إلى أن صبرها إزاء الرئيس الروسي حول النزاع في شرق أوكرانيا بدأ ينفد.
وقالت جودي ديمبسي، من مركز أبحاث كارنيغي أوروبا "انجيلا ميركل هي المحاور الغربي الذي لا غنى عنه مع بوتين".
وتتحدث المستشارة الألمانية الروسية بطلاقة، كما يتقن الزعيم الروسي الألمانية أيضا، ويقال إنهما يحترمان بعضهما البعض على مضض.
تتسم العلاقات الثنائية بين البلدين بالتعقيد – اضطراب في التاريخ والعلاقات الاقتصادية – علاوة على أن أربعة آلاف شركة ألمانية لديها أعمال تجارية مع روسيا.
ومساء الأحد الماضي، بث التلفزيون الألماني مقابلة تلفزيونية حصرية مع بوتين قال خلالها إن العقوبات ضد بلاده لن تضر بأوكرانيا فحسب، لكها ستلحق الضرر بالاقتصاد الألماني أيضا.
وتشير تقارير إلى أن بوتين وميركل تحدثا عبر الهاتف نحو 40 مرة منذ بداية الأزمة الأوكرانية. وخلال قمة مجموعة العشرين في مدينة بريسبان الأسترالية، عقدت ميركل اجتماعا خاصا امتد لساعات مع بوتين.
ويوم الاثنين، تحدثت ميركل لإحدى المؤسسات البحثية في مدينة سيدني، وقالت إن روسيا "انتهكت وحدة وسيادة أوكرانيا"، وإن أوروبا ستستمر في ممارسة الضغط عليها.
وفي حين قالت ميركل إنها تتفهم المخاوف الروسية من تحرك أوكرانيا بالقرب من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فإنها أشارت إلى أنه "من غير المقبول بكل بساطة أن تمنع دولة" من توقيع اتفاقية تجارة مع الاتحاد الأوروبي.
وتعتقد جودي ديمبسي أن المستشارة الألمانية لا تثق في الرئيس الروسي، مضيفة: "ميركل ليست على استعداد لإعطاء بوتين فرصة لحفظ ماء الوجه، وهو الشيء الذي قد يفضله دبلوماسيون وزعماء أوروبيون، لإخراج الملف الأوكراني من مكاتبهم".
وتتفق مجلة "شبيغل" الألمانية مع هذا الطرح، إذ تقول: "ثمة تباين منذ فترة طويلة بين ما يقوله بوتين وبين ما يقوم به على أرض الواقع".
وينظر إلى خطاب ميركل في أستراليا داخل ألمانيا على أنه أكثر خطاباتها توجيها للنقد المباشر للرئيس الروسي حتى الآن.
وقالت صحيفة "بيلد" الألمانية واسعة الانتشار "ميركل تلقي قفاز التحدي" ووصفت الخطاب بأنه "ضربة قوية" من جانب المستشارة الألمانية التي دائما ما تكون حذرة في خطاباتها العامة.
هل يعد هذا نقطة تحول في السياسة الألمانية؟ بالتأكيد يبدو أن هناك تحولا ملحوظا في اللهجة، التي كانت تصالحية حتى وقت قريب.
ورفضت ألمانيا دعم فرض مزيد من العقوبات ضد روسيا، مفضلة التركيز على الوضع الإنساني داخل أوكرانيا والضغط من أجل وقف إطلاق النار بشكل دائم.
وتبنى وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير هذا النهج باستمرار، وقال لإحدى الصحف الألمانية يوم الأحد الماضي إن بوتين يريد أن يقف على قدم المساواة مع القوى المؤثرة الأخرى، على الرغم من أن ذلك لا يبرر خرق القانون الدولي من خلال ضم شبه جزيرة القرم.
ولكن بعد ذلك سافر شتاينماير إلى موسكو في ما وصف بأنه أول زيارة إلى روسيا منذ ضم شبه جزيرة القرم في مارس/آذار. وعلى الرغم من أن شتاينماير ووزراء الخارجية الأوروبيين قد احجموا عن تمديد العقوبات على روسيا قبل 24 ساعة فقط من ذلك اليوم، إلا أنه تحدث بلهجة قوية، إذ قال خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: "لا يوجد هناك سبب للتفاؤل في الوضع الحالي".
وحذر وزير الخارجية الألماني من أن أوروبا تقف عند مفترق طرق، مشيرا إلى أن هناك تهديد يلوح في الأفق وهو أن الوجوم قد أصبح بديلا للحوار والمواجهة بديلا للتعاون.
وفي موسكو، كان الرئيس بوتين يستخدم لغة شديدة اللهجة، وقال إن الولايات المتحدة تريد إخضاع روسيا، ولكن لم تتمكن أي جهة من ذلك في الماضي، ولن تستطيع القيام بذلك في المستقبل.
وقبل أكثر من أسبوع، شاهدت انجيلا ميركل الألعاب النارية وهي تشتعل فوق بوابة براندنبورغ للاحتفال بالذكرى الـ 25 لسقوط جدار برلين.
وخلال الأسبوع الجاري، أدلت المستشارة الألمانية، التي نشأت في ألمانيا الشرقية ورأت الشيوعية السوفيتية عن قرب، بتصريحات في أستراليا بشأن الصراع المرير في شرق أوكرانيا.
وقالت: "من كان يظن بعد 25 عاما على سقوط جدار برلين وبعد نهاية الحرب الباردة وانقسام أوروبا، ونهاية الانقسام العالمي إلى كتلتين، أن شيئا مثل هذا يمكن أن يحدث في قلب أوروبا".