بلوق الميز
"قانون ترحيل الأجانب" يثير جدلا قانونيا وسياسيا في مصر
أثارت مسودة قانون أقره مجلس الدولة في مصر يسمح للرئيس بتسليم الأجانب المتهمين من قبل النيابة العامة أو من صدرت ضدهم أحكام قضائية إلى بلادهم جدلا بين قانونيين وسياسيين مصريين.
وينص هذا القانون الذي كانت الحكومة المصرية قد أرسلته إلى مجلس الدولة، وهي الجهة المعنية بدراسة جميع القوانين التي تزمع الدولة إصدارها، على أنه يجوز للرئيس تسليم الأجانب الذين يتم إلقاء القبض عليهم في مصر إلى بلادهم في أي مرحلة من مراحل التقاضي حال طلب حكوماتهم ذلك.
ويشترط القانون موافقة رئيس الوزراء على قرار الرئيس مسبوقا مذكرة تقدم من النيابة العامة بالتوصية التي تراها.
ويستثني القانون المصريين مزدوجي الجنسية من ذلك أيضا، كما أنه لا يجوز بموجبه تسليم من لجؤوا إلى مصر سياسيا.
واستبعد القانون من صدر ضدهم أحكام في قضايا تجسس أو إرهاب أو قضايا تمس الأمن القومي، حيث نص على أن رئيس الجمهورية هو من يحدد من يمكن ترحليهم بعد تحديد المصلحة العامة للبلاد.
ومن المنتظر أن يتبع عملية الإقرار لمشروع القانون من مجلس الدولة تمريره إلى رئاسة الوزراء المصرية لترفعه من جانبها إلى الرئيس المصري، ليقره ويصبح قانونا مفعلا.
ويرى الفقيه الدستوري ورئيس مجلس الدولة الأسبق، يحيى الجمل، أنه "لا يجوز لأحد، طبقا للمبادئ الدستورية العامة ودستور 2014، أن يتدخل في شؤون العدالة، وتتولاها المحاكم بمختلف درجاتها وأنواعها."
وتابع الجمل في تصريح لبي بي سي: "هناك نص خاص يقرر أنه يجوز لرئيس الجمهورية العفو عن العقوبة، أما ما ورد عن المشروع الخاص بوقف التحقيقات مع أجانب وتسليمهم إلى بلادهم فيشترط فيه بالضرورة ألا يكون هذا الأمر بقرار من الرئيس المصري إلا بناءعلى أنه أجريت التحقيقات وجرت الإحالة إلى القضاء وصدور حكم نهائي بات في القضية، أو إعداد قانون شامل ليزيل أثر الاتهام والعقوبة معا."
سيادة
وتابع قائلا: "لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يتدخل في مرحلة التحقيق بواسطة النيابة العامة ويفرض وقف التحقيق وتسليم المتهمين إلى الدول الأجنبية التي ينتمون إليها، وبالتالي فلو كان المشروع يتضمن إجازة ذلك فإنه سيكون في هذا الجانب مخالفا لأحكام الدستور."
وفي إشارة منه إلى اتفاقية تسليم المطلوبين التي وقعت عليها مصر مع جميع الدول العربية وبضع عشرة دولة أجنبية، أضاف الجمل أن هذه الاتفاقية "لا تسري بشكل يمس السيادة المصرية وسيادة القانون المصري واستقلال القضاء؛ لذا فلا بد أن يتم التحقيق مع المتهمين وإحالتهم إلى القضاء وصدور أحكام نهائية وباتة من هذا القضاء لكي يصدر العفو عن العقوبة من رئيس الجمهورية بعد ذلك — لأسباب سياسية يقدرها —، ولا يجوز على الإطلاق العفو الشامل إلا بقانون يصدر من رئيس الجمهورية لعدم وجود مجلس النواب."
وفي معرض سؤاله عن الإطار الزمني الذي يمكن من خلاله أن يطبق القانون، يرى الجمل أن القانون سيصدر "بأثر مباشر على الحالات الموجودة التي تجيز تدخل رئيس الجمهورية في قضاياهم."
وعلى الرغم من أن حسام الخولي، السكرتير العام المساعد لحزب الوفد، يرى أن طرح القانون غريب من حيث توقيته، إلا أنه يقول إن البلاد "تمر بحالة غير طبيعية لها أبعاد كثيرة، فيما يتعلق بقضايا الإرهاب في الداخل والعلاقات المتغيرة مع الدول في الخارج".
وتابع قائلا: "ربما يسعى الرئيس من خلال هذا القانون إلى امتلاك بعض الصلاحيات، إلا أن من الممكن لأي قانون يصدره الآن أن يُعرَض فيما بعد للمناقشة أمام مجلس النواب (بعد تشكيله)."
وأكد الخولي على أن هذا القانون يأتي في نطاق "تحرك الإدارة المصرية خارجيا ولا يمكن فصله عن ذلك".
وتابع قائلا: "أثق بأن الرئيس يعمل لمصلحة مصر. ويمكن تفهمنا لما يقوم به، لا سيما وأن هناك أمورا تقف خلف قرارات الإدارة المصرية لا يمكن الاطلاع عليها."
ضغوط
بينما يرى محللون سياسيون، ومن بينهم يسري العزباوي، المحلل السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن هذا القانون "سيفتح الباب للتدخل في السيادة المصرية، ومطالبة بعض الدول الأجنبية بالإفراج عن مواطنيها الذين قاموا بأعمال إجرامية أو جنائية داخل مصر."
وأكد العزباوي لبي بي سي على أن هذا القانون "يأتي نتيجة طبيعية لحجم الضغوطات التي مورست خلال الفترة الماضية على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ليس فقط للإفراج عن الصحفيين الأجانب المعتقلين في مصر، ولكن أيضا عن بعض المنتمين إلى جماعة الإخوان".
وقال العزباوي في تصريحات لبي بي سي: "من شأن هذا القانون أن يزيد من ضغوط الدول الأجنبية خلال المرحلة القادمة على الحكومة المصرية للإفراج عن المعتقلين الأجانب في السجون المصرية. كما أن هناك مزدوجي الجنسية ممن سيقومون بالتنازل عن الجنسية المصرية للإفراج عنهم في المرحلة القادمة."
وتحدث العزباوي عن وجود شبهة دستورية تشوب هذا القانون، حيث يقول إن المادة 155 من الدستور المصري الجديد تؤكد على حق الرئيس المصري - بعد موافقة مجلس النواب - تخفيف العقوبة أو العفو عنها، إلا أن الشق الثاني منه يتحدث عن موافقة أغلبية مجلس النواب."
وأضاف قائلا: "على الرغم من أن الرئيس لديه سلطة التشريع الآن، إلا أنه لا يوجد مجلس نواب، ومن ثم سيفتح الباب على مصراعيه لشبهة عدم الدستورية."
عند الاشتراك في المدونة ، سنرسل لك بريدًا إلكترونيًا عند وجود تحديثات جديدة على الموقع حتى لا تفوتك.
By accepting you will be accessing a service provided by a third-party external to https://almaze.co.uk/
تعليقات