إن تصريحات وزير البترول المتكررة بخصوص الغاز الطبيعى المصرى، والتى كان آخرها ما أعلنته فى الصحف من أن إسرائيل هى المنفذ الرئيسى لتصدير الغاز الطبيعى المصرى إلى أوروبا تصيب المصريين بكثير من الأسى على ثروتهم البترولية المبددة والتى تستخدم فى إصلاح اقتصاد إسرائيل.
فاحتياطى مصر من الغاز الطبيعى ضئيل جدا لا يتجاوز22تريليون قدم مكعب(التريليون=1000مليار=1000بليون، حسب تصريحاته هو شخصيا أيضا، ورغم أن هذا الرقم ليس مؤكدا بأسلوب علمى إنما هو رقم يقال لخدمة غرض سياسى خاص بشخصه، فإن مصر من الناحية العلمية فى حاجة إلى أضعاف هذا الرقم لدعم اقتصادها وتسيير مصانعها وهذا ما قاله هو نفسه فى مجلة البترول عدد أكتوبر1989، حيث قال بالحرف الواحد:
(.... وتشير الدراسات والتوقعات إلى أن الطلب المحلى على الغاز سيرتفع خلال العشرين عاما القادمة إلى نحو27تريليون قدم مكعب....).
وتكفى هذه العبارة لتوضيح مدى تهاون الوزير فى اقتصاد مصر من أجل اقتصاد إسرائيل ، ففى حين أن مصر فى حاجة إلى27تريليون قدم مكعب(حسب قوله )من الغاز الطبيعى لتسيير وحداتها الاقتصادية يبادر الوزير بتصدير هذا الغاز الذى نحن فى حاجة إليه.. وإلى أين؟؟!! إلى إسرائيل. فإذا علمنا أن احتياطى مصر من زيت البترول الخام هو أيضا ضئيل جدا لا يزيد على3.8بليون برميل، وبذلك لا يوجد لنا من مخرج من أزمة الطاقة التى لابد أن تحل بمصر خلال سنوات قليلة(من 10إلى12عاما حسب تصريحات المسئولين فى قطاع البترول والمنشورة بالصحف)إلا هذا القدر المحدود من الغاز الطبيعى لإحلاله محل المواد البترولية السائلة التى تستهلكها مصر والتى تستنفد احتياطينا البترولى الهزيل بسرعة كبيرة، وهو مصدر رئيسى للعملة الصعبة.
ومن أمثلة استخدامات الغازات الطبيعية المهمة والملحة الآن فى مصر هى إمداد محطات الكهرباء القديمة والجديدة بأسيوط وغيرها من محطات الكهرباء المنتشرة بالجمهورية، والتى ما تزال تستخدم الوقود السائل، كما أن هناك مصنع الاسمنت بأسيوط ومصنع سماد كيما بأسوان الذى يستهلك إنتاج محطة كهرباء خزان أسوان بالكامل، والذى لو أمددناه بالغاز الطبيعى فستتوافر محطة كهرباء كاملة ستساهم فى توفير كمية كبيرة من الوقود السائل الذى نستخدمه فى إنتاج الكهرباء ونصدر هذا الوقود المتوافر بالعملة الصعبة.
وهنا من الضرورى أن نتساءل إذا كان الغاز الطبيعى بهذه الوفرة، فلماذا ارتفعت أخيرا أسعاره بالنسبة إلى الاستهلاك المنزلى بصورة يصرخ منها الشعب، كما نقرأ ونسمع؟
وسؤال آخر كيف ولماذا تتحمل مصر تكلفة خط الأنابيب الذى سينقل الغاز إلى إسرائيل والتى بلغ مليار دولار، ومتى يمكن استرداد هذا المبلغ؟؟!!
أما موضوع تصدير الغاز المصرى إلى أوروبا الذى أعلنه الوزير فهو حديث ساذج يثير الضحك فهل سينافس الغاز المصرى على ضآلة كمياته الغاز الروسى الذى تصدره روسيا إلى أوروبا الغربية عن طريق خط الأنابيب طوله5500كيلومتر وقطره1.5(متر ونصف المتر تقريبا)ويغذيه احتياطى الغاز الروسى الهائل والبالغ قدره حوالى2000تريليون قدم مكعب أى حوالى مائة ضعف احتياطى مصر من الغاز الطبيعى؟
إن أوروبا ليست فى حاجة إطلاقا إلى الغاز المصرى الذى لا وزن له البته فى سوق الغاز العالمية نظرا إلى ضآلة كمياته، وبخاصة أن كثيرا من دول أوروبا لديها احتياطيات من الغاز تبلغ أضعاف احتياطى مصر، فهناك هولندا فى قلب أوروبا التى يبلغ احتياطيها47تريليون قدم(أى أكثر من ضعف احتياطى مصر)، وكثير غيرهم مثل ألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة.
إن لدى جميع دول أوروبا الشرقية والغربية بما فيها روسيا احتياطيا من الغاز يكفى استهلاكها لأكثر من ستين عاما قادمة، هذا بخلاف ما تمدها به الدول ذات الاحتياطيات الغازية الكبيرة مثل الجزائر التى تمد إيطاليا بالغاز الطبيعى عن طريق خط أنابيب بحرى، وكذلك ليبيا التى تمد أوروبا أيضا بالغاز الطبيعى.
إن إيران لم تقل هذا الكلام وهى ثانى دولة فى العالم بعد روسيا فى احتياطى الغازات الطبيعية حيث بلغ احتياطيها741تريليون قدم مكعب تقريبا، وكذلك دولة قطر وهى الدولة الثالثة فى العالم فى احتياطى الغازات الطبيعية، وإن كانت فى سبيل الاتفاق مع إسرائيل على تزويدها بالغاز الطبيعى إلا أنها لم تزعم تصدير الغاز إلى أوروبا رغم أنها فى غير حاجة إلى هذا الاحتياطى الكبير من الغازات الطبيعية والذى يبلغ حوالى250تريليون قدم مكعب.
مهندس محمد طالب زارع
مركز الشعب للدراسات البترولية
نشرت فى الشعب19/4/1996