تحرير عادل على السبت، 28 أيار 2011
فئة: الشرق الأوسط

المجتمع المدني يزدهر في «ليبيا الحرة»

كانت زيارتي الأخيرة إلى بنغازي قبل نحو عام مضى.. حاولت أن أزورها في شهر يناير، لكن وزارة الخارجية الليبية رفضت طلبي. أحد الأمور المحبطة للعمل كدبلوماسي في ليبيا هو أن الحكومة الليبية أصرت دائما على ضرورة أن يقدم الدبلوماسيون طلبا لزيارة أية مناطق خارج العاصمة طرابلس.


لدى وصولي إلى بنغازي التقيت بمسؤول رحب بي في «ليبيا الحرة». أخرج ختما وكراسة صغيرة من حقيبة معلقة على كتفه وأخبرني معتذرا بأنه مضطر لاستخدام ختم صادر عن النظام القديم، وأردف أنه يتوقع إصدار أختام جديدة من قبل المجلس الوطني الانتقالي في غضون بضعة أيام.
الأحوال الطبيعية الظاهرية لبنغازي جعلتني أشعر بالحيرة.
بالطبع اختفت كافة الملصقات الإعلانية التي تحمل الشعارات القديمة. ولم تعد الصور البطولية للعقيد معمّر القذافي أو مقتطفات من كتابه الأخضر أو ملصقات إعلانية بمناسبة الذكرى الـ 41 للثورة تستقبل الزائرين للمدينة. بل حل محلها العلم بالألوان الأخضر والأحمر والأسود، الذي كان علم ليبيا قبيل عهد القذافي، وملصقات إعلانية جديدة تحتفل بثورة فبراير الشعبية، وصور عمر المختار؛ بطل كفاح ليبيا ضد الاستعمار. وخلافا لذلك لم ألحظ سوى اليسير من التغيير. فثورة فبراير لم تغير حقاً وجه بنغازي. ونادراً ما تجد مباني محترقة أو مرشوشة بطلقات الرصاص، والمتاجر مفتوحة، والشوارع مزدحمة بالسيارات. وطريقة قيادة السيارات لا تزال فوضوية كما كانت دائماً.
لكن بعد مرور أسبوع على زيارتي، بات باستطاعتي أن أرى التغييرات بوضوح أكبر. حضرت إحدى الفعاليات، وهي عبارة عن معرض للمنظمات غير الحكومية في الجامعة نظمه مكتب المجلس الوطني الانتقالي للتشاور مع المواطنين. المناسبة تعتبر مثالاً رائعاً للتغيير الذي حدث هنا. إذ أخبرتني الشابات اللاتي شاركن في الإعداد لهذه الفعالية بأنهن سجّلن نحو 200 منظمة غير حكومية جديدة منذ الثورة.أعترف بأنني كنت متشككا بهذا الرقم، لكنه فجأة بدا لي معقولا جدا من واقع ما شاهدت خلال تجولي في المعرض. والتقيت بشباب متطوعين يعتنون بالنازحين داخليا من أجدابيا ومصراتة، أو يعتنون بعائلات المقاتلين على الجبهة الأمامية. وتنافست منتديات لأجل الحوار ومجلات أسبوعية جديدة ومنظمات بيئية مع بعضها البعض لجذب الانتباه.
كانت توجد بعض منظمات المجتمع المدني إبان حكم القذافي، لكنها كانت تخضع لرقابة أو سيطرة مشددة من قبل النظام. وكانت اثنتان من أهم تلك المنظمات وأكثرها تمويلاً تداران من قبل أفراد عائلة القذافي. وعمل الكثير من الليبيين الموهوبين من ذوي الأهداف النبيلة لدى هذه المنظمات للحض على التغيير ضمن إطار النظام، وبذلوا كل ما في استطاعتهم. كما تعاونت السفارة البريطانية في بنغازي مع هذه المنظمات. إلا أن الحماس والتفاؤل اللذين لمستهما لدى الطلاب والشباب الذين التقيت بهم في الجامعة كانا مختلفين اختلافا جذرياً عمّا كان في السابق..
فالشعور لدى المتطوعين الذين التقيت بهم أنّ التغيير الشامل بات الآن ممكناً، ويملكونه بأيديهم. لكنهم أقروا بأنهم يفتقرون للخبرة، لكنهم كانوا على ثقة أن باستطاعتهم أن يتعلموا وأن يحققوا تغييراً إيجابياً في مجتمعاتهم. . طلبوا المساعدة لتحقيق النجاح لمنظماتهم عبر التدريب والالتقاء بناشطين من المجتمع المدني ممن لديهم خبرات أكبر. ومع مرور الوقت، عندما ينتهي العنف ويرحل القذافي ويمضي المواطنون الليبيون في كافة أنحاء البلاد في مهمة تشكيل معالم ليبيا الجديدة، أعتقد بأن هذا النوع من الناشطين سوف يجد أنّ أيدي المساعدة تمتد إليهم من كافة أنحاء العالم، وبالتأكيد ستكون المملكة المتحدة من بينهم.
المصدر: بقلم: ديفيد كلاي المسؤول السياسي البريطاني في بنغازي

اترك تعليقاتك