تحرير عادل على الأحد، 10 تموز/يوليو 2011
فئة: منوعات

الخلط بين اللامركزية ودعوى الفيدرالية.. سويسرا أو النرويج؟

من اهم ركائز الانظمة الشمولية الاستبدادية ركيزة “المركزية” الكاملة. والمقصود هنا بالمركزية ليس فقط مركزية الهياكل والاجهزة فقط
.
فقد تكون بعض الحكومة الاستبدادية من اكثر الدول لا مركزية من حيث الهياكل النظرية الموضوعة على الورق، أو بمعنى آخر قد تكون نظرياً أقل الدول مركزية في اطار الهياكل العامة الأمر الذي يجعلها متفككة الاوصال وفاشلة في مجالات الادارة والمتابعة والتنفيذ في خاصة فيما يخص مصالح الوطن والمواطن. وليبيا تحت ما يسمي بالنظام الجماهيري هي مثال حي على ذلك.

ما هو موجود على الورق وما هو مسطر لا معنى له من الناحية العملية، وذلك لأن أكثر ما تحرص عليه النظم الدكتاتورية هو مركزية القرار ومركزية التحكم في السلطة والثروة ومركزية أجهزة التحكم في المواطن عبر اجهزة الأمن الأساسية التي تحكم المواطن وتحدد حريته، وتضمن في نفس الوقت أقصى درجات التحكم المركزي لصالح الدكتاتور.

الخلط بين المركزية الدكتاتورية القاتلة التي تخنق الحرية وتقتل الابداع وتقضي على حرية المواطنين في الحركة واتخاذ القرارات وممارسة اسس الحكم المحلي في محافظاتهم ومدنهم وبلدياتهم وبلداتهم، وبين الدولة الواحدة المركزية الديموقراطية التي تجمع البلد في اطار واحد وتحقق كل وفوائد اللامركزية في نفس الوقت.

هذا الخلط في نظري هو ما قد يدفع إلى ارتفاع بعض الاصوات التي تنادي بما يسمى بالفيدرالية كهيكل ونظام للحكم في ليبيا. وفي الوقت الذي يكون فيه للخلط السهم الاكبر لا انكر انه قد يكون للبعض اجندات خاصة تدفع في السير في طريق ما يسمى بالفيدرالية الخطير.
ما أود التأكيد عليه هنا هو ان المطالبة بالتخلص من اطر المركزية التى خلقتها الانظمة الاستبدادية للتحكم والادارة أمر مطلوب ويجب الحرص بل والاصرار عليه.

وهذا يذكرني بحوار دار بيني وبين الخبير الأمريكي مايكل أوهالين حول دعواه المطالبة بنظام كونفيدرالي في ليبيا والتي انبثقت من فرضية خاطئة اعتمدها تقول ان ليبيا كانت مقسمة في الاربعينات إلى ولايات شبه مستقلة وان الشعب الليبي شعب قبلي يشبه في تركيبته الشعب العراقي أو البوسناوي. حاولت السيد اوهالين واشرت ان الخطأ في الفرضيات الاولية تقود إلى اقتراحات غير مناسبة واشرت إلى أن لعل ما اراده هو ان ليبيا في حاجة إلى نظام لا مركزي وليس فيدرالي أو كونفيدرالي. تراجع اوهالين واتفقنا ان اللامركزية هي النقلة الصحيحية والاساسية من نظام شمولي إلى نظام ديموقراطي يعطي المناطق المحلية حقوقها في ادارة شؤونها المحلية بما يناسبها وما يتناسب مع اولوياتها واحتياجاتها وامكانياتها أيضاً.

وهذا الامر يعني أيضاً اعطاء القيادات المنتخبة محليا من قبل المواطنين الحق في اتخاذ القرارات المناسبة لكونهم مسؤولون امام مواطنيهم وامام القانون ومطالبون برسم الخطط ووضع الميزانيات وتنفيد المخططات، ويقوم المواطن في اطاره المحلي بالمتابعة والرقابة والمحاسبة عبر القانون وعبر صناديق الاقتراع.

ويجب ان يتناغم ذلك كله مع الخطط العامة للبلاد في المجالات الحيوية مثل مجالات البنية التحتية والاقتصاد والصحة والتعليم والامن والسياسة الخارجية والدفاع والاشراف وادارة الثروات القومية العامة. وتقوم الدولة بدور الداعم للاجهزة المحلية وتقود البلاد في المجالات الحيوية مثل الامن العام والسياسة الخارجية والدفاع والاقتصاد العام وشؤون الضرائب العامة.

هذا التناغم بين حدود ومسؤوليات السلطة الوطنية الديوقراطية المنتخبة والمنبثقة عن الشعب والسلطات المحلية المنتخبة والمنبثقة عن المحليات هو ما يدفع بالبلاد إلى الامام عبر تكاثف الطاقات والاستجابة للاحتياجات المحلية والاحتياجات الخاصة أو الاولويات المتنوعة لكل منطقة او محلة او بلدية او محافظة.
التفعيل الديوقراطي المحلي للمواطن يمنع تغول السلطة المركزية ويقطع الطريق امام استبدادها أو فرضها لنمط واحد للتطور والنمو دون مراعاة الخصوصيات أو الاولويات المحلية. كما يجعل المواطن اكثر تفاعلاً مع بيئته واحتياجاتها وتشعره أنه صاحب قرار وصاحب اثر في نفس الوقت الامر الذي من شأنه القضاء على الشعور بالاغتراب السياسي والشعور باللامبالاة.

المطلوب لا مركزية وليس فيدرالية او كونفيدرالية فليبيا بلد شعبه صغير ومترابط ولا تقسمه الاثنيات ولا القبلية وليبيا دولة متماسكة لا خلافات تاريخية بينها فلنحافظ عليها ولنعمل على بنائها لتصبح بلد ديموقراطي حضاري متميز مثل النرويج ذات الشعب الصغير والقدرات النفطية الهائلة التي تم استثمارها لبناء المستقبل. للذين يطالبون بأن تكون ليبيا هي سويسرا شمال افريقيا اقول لما لا تكون ليبيا هي نرويج افريقيا والعالم العربي، فالتشابه الديموغرافي والقدرات الاقتصادية بين ليبيا والنرويج اكثر واكبر من سويسرا.

بقلم: فضيل الأمين

اترك تعليقاتك