تحرير عادل على الخميس، 09 تموز/يوليو 2009
فئة: منوعات

عبد السلام زقلام: شاعر من زمن الحبّ والطيبة

حين ذكر اسم الشاعر الغنائي الراحل عبد السلام زقلام لا بد أنْ تتقافز إلى الأسماع، كوكبة ٌمن نصوصه الشعرية، التي غدت بعد تصييرها إلى أنغام من أجمل وأروع الأغنيات الليبية الحديثة، مثل أغنية "أصحاب الغية" لحن وغناء إبراهيم فهمي وأغنية "هاي ننسى" لحن الموسيقار علي ماهر وأداء الفنان مصطفى طالب وأغنية "من يستغنى عليك؟" لحن الفنان الكبير إبراهيم أشرف وشدو المطرب الراحل خالد سعيد وأغنية "يا سلام ع الحب" لحن وغناء الفنان أحمد فكّرون إلى غير ذلك من أغنيات وأصوات وأسماء، قد تعاملت مع هذا الشاعر الكبير، فقد كان الفقيد فارجة خير ونجاح على كل مُلحِّن، ونافذة بحرية يطلُّ من شرفتها الواسعة، المطربون على الجمهور، كما النسمات المنعشة في يوم ٍ قائظٍ، بكلماته اللطيفة في معناها والظريفة في أوزانها والخفيفة في ظلها والعفيفة في مغزاها.

{readmore}


وكان العمر الفني لهذا المؤلف الغنائي قصيراً جداً، فلم تمهله الأقدار فرصة، كي يشّعرنا بكل ما يدور في قريحته من مشاعر، يمكن أنْ تُقال شعراً، لتغنى فيما بعد، كما هي عادة الأقدار دائماً مع الشعراء المتميزين، لكنّ جودة ما دوّنه من أشعار، هي من نقشت اسمه بمداد من ذهب في ديوان الأغنية الليبية.
وعرفنا الشاعر المتميز عبد السلام زقلام من خلال مفرداته وتفعيلاته وبنائه الشعري، وكذلك بأفكاره الناضجة ومضامينه المبتكرة، التي لم يقترب منها أيُّ شاعر غنائي ليبي قبله، ولم يمسّسها سواه، فقد شكّل أوان بزوغ نجمه في سماء الأغنية المحلية صُحبة الشاعرين فرج المذبل ويوسف بن صريتي حديثة، تتحدث بلسان جيل جديد من الشعراء، وتعبّر عن مشاعر جيل من المستمعين الشباب، فأسهمت من ثم، في تطوير الأغنية الليبية بمفرداتها ومرادفاتها المغايرة للتي كان الجيل الأسبق من الشعراء، يمضي عليها من خلال الصياغة على منوال الشعر الشعبي بمفرداته الغائرة في العامية المنغلقة على الذات، وأوزانه المألوفة، فقد كان الراحل وزميلاه هذان، بالإضافة إلى الشاعر الكبير أحمد الحريري من الجيل الذي تلا.
واستلم الراية من الجيل الذي سبقه بريادة المُحدِّث في التأليف الغنائي عبد السلام قادربوه والطاهر شقليلة ومحمد مخلوف وعاشور عبد العزيز ومسعود بشون ومسعود القبلاوي وعلي السني فقد كانوا مثل العدائين في حلبة سباق "التتابع" وهم يستلمون "الشاهد" لإكمال المَهَمَة المُهـِمَة، والوصول إلى نقطة النهاية البعيدة، التي لا يستطيع عدّاءٌ بمفرده إدراكها إلا إذا تضافرت معه الجهود، غير أنهم كانوا جميعاً ضمن فريق واحد، خيّمت عليه روح التعاون والمحبة والإخلاص، لأنّ التنافس أو التسابق بينهم، لم يك تسابقاً بين خصوم متبارين، بل تسابقاً شريفاً ووديّـاً بين شركاء لأجل غاية وهدف مشترك، هو الرقي بالأغنية الليبية ـ لفظاً ولحناً وأداءً ـ إلى مصاف الأغنية العربية في الأقطار الأخريات.
فبأفكارهم المتفتحة وبثقافتهم المتنوعة والواسعة، فتحوا على الملحنين مسالك عدة، ليتحرّروا من عِقال الرتابة اللحنية، التي رانت لفترة ليست بالقصيرة على الغناء في "ليبيا" بيد أنّ أغلب مجايليه، عُرفوا كصحفيين وككـُتـّـاب مرموقين، لهم شأن في الصحافة الليبية، فضلاً عن كونهم شعراء أفذاذاً.
وإذا أخضعنا أعمال الشاعر الراحل عبد السلام زقلام لمختبر التحليل البنائي للنص الشعري الغنائي، فسوف نجد أنها عُصارة الشعور بالضيم، ومن المألوف أنّ مثل هذا الشعور العنيف، غالباً ما يولّد في النفس البشرية شعوراً مضاداً ومماثلاً تجاه كلّ من كان سبباً في إيلامنا، لكنّ إحساسه بهذا الشعور الصعب، ولّد في نفسه المرهفة وفي خلجاته الرقيقة "رومانسية" مفرطة، أفرط في ترجمتها في نصوصه الشعرية الغنائية، فقد تسامت نفسه على الجراح، وأضحى يصرُّ في أعماله على أنْ يُصنِّف ذاته بالحبيب المخلص والوفي، المتعالي على كل ما يساور وينتاب أحاسيسه من أحزان، حتى بات لا يرتهن أحاسيسه لما يبادله به الآخر "الحبيب" من صفاء أو جفاء، فمهما يكُن من شيء، فإنّ قناعته العاطفية لا تتبدّل البتة، فهو من زمن الحب.
ولعلّ مطلع أغنيته "ما ليش غيرك" يترجم هذا التصور - الذي أرتأيه من جهتي - فقد أحبّ أنْ يوصلنا إياه، من خلال أوتار آلة قانون وحنجرة الفنان الرقيق إبراهيم فهمي ملحن ومؤدي هذا العمل البديع، إذ يقول على لسان الأخير:
ما ليش غيرك يا زهور اربيعي
شاري هواك حتى إن كان اتبيعي..
ورغم تطابق عنوان هذه الأغنية مع أغنية "علشان ما ليش غيرك" للموسيقار الراحل فريد الأطرش التي كتبها له الزجّال المعروف فتحي قورة ويقول مبتدؤها:
علشان ما ليش غيرك الليل تسهرني
علشان ما ليش غيرك دايماً محيرني
إلا أنّ فريد الأطرش في هذا المطلع من هذه الأغنية، يُعرب عن استيائه وندمه بعد فوات الأوان.
وأخذت هذه الأغنية للشاعر الراحل عبد السلام زقلام للتدليل على صحة ما تطرقت إليه بخصوص الرسالة الشعرية في مضمون الأغنيات التي درج عليها وأراد إبلاغنا إياها، وما يؤكد ذلك، إذا استمعنا إلى أغنيته "من يستغنى عليك؟" حينما يشدو المطرب الراحل خالد سعيد من ألحان الموسيقار العبقري إبراهيم أشرف ومن كلماته في البيت "الكوبليه" الثاني منها:
لا يصبر قلبي لا يتوب
ولا يرضى ابغير المكتوب
يا محبوب..أني حبي ما فيه عيوب
حياتي ليك..و لو تطلب عمري نعطيك..
وأرسي بمركب تنقلاتي بين أغنياته في هذه المحطة، وبالتحديد عند "الكوبليه" الأخير من أغنية "هاي ننسى" وهي كما ذكرت في مستهل مقالتي هذه، من ألحان الموسيقار علي ماهر وغناء المطرب مصطفى طالب:
وصورتك مرسومة
اف موج البحر فوق ع القمر ونجومه...
احني روح وحدة بينا مقسومة
احني قلب دقاته غلا طوالي
زيـاد الـعـيـسـاوي: بنغازي، ليبيا
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مدونات ذات صلة

اترك تعليقاتك