جنيف: أبدت الأوساط المتابعة لملف الأزمة القائمة منذ صيف 2008 في العلاقات الليبية السويسرية تفاؤلا بإمكانية التوصل إلى "حل تفاوضي"، بعد الزيارة الخاطفة لوزيرة الخارجية السويسرية إلى طرابلس الأسبوع الماضي. وتتجه الأنظار الآن صوب الجماهيرية لمعرفة الموقف الليبي مما يكون قد اقتُرح كحل لطي هذا الملف خلال هذه الزيارة؟ ويتمثل الجديد في ملف الأزمة التي طرأت على العلاقات بين طرابلس وبرن منذ توقيف نجل الزعيم الليبي هانيبال القذافي وزوجته آلين في 15 يوليو 2008 في فندق فخم في جنيف، بسبب سوء معاملة خادمين، في ظهور بوادر انفراج في أعقاب الزيارة الخاطفة التي قامت بها وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي – ري إلى العاصمة الليبية ما بين 27 و29 مايو 2009.
في المقابل، اقتصرت المعلومات التي رشحت إلى حد الآن على ما ورد على لسان المحامي شارل بونسي، وكيل الطرف الليبي الذي اعتبر في تصريحات صحفية أن "الزيارة كانت بادرة تفاؤل"، وذهب المحامي السويسري إلى حد الإعراب عن "الإعتقاد في الإقتراب من حل تفاوضي" بين الطرفين. "اقتراح ذكي وبناء" وفي غياب تصريحات من المعنيين بالأمر سواء في الخارجية الليبية أو في الخارجية السويسرية يبقى الغموض سائدا حول مضمون المقترحات التي تقدمت بها الوزيرة ميشلين كالمي-ري كمخرج من الأزمة. من جهته، لم يرغب شارل بونسي، محامي الطرف الليبي في الكشف عما قد تكون وزيرة الخارجية عرضته على الجانب الليبي، بل اكتفى بالإشارة إلى أن "سويسرا قدمت اقتراحا بناءا وذكيا". ولمحاولة استقراء ما يمكن أن يكون قد عُرض في الأيام الأخيرة، لا بد من إعادة طرح الشروط التي كانت تطالب السلطات الليبية بتوفرها من أجل طي الملف والمتمثلة في "تقديم الاعتذار الرسمي" عما تراه توقيفا تعسفيا لنجل الزعيم الليبي وزوجته الحامل. كما تتمسك طرابلس بالشكوى التي رفعتها أمام القضاء في جنيف والتي تحاول فيها مقاضاة شرطة وسلطات كانتون جنيف لعدم احترامها بنود معاهدة فيينا وبالأخص الحصانة المقدمة لمن يحمل جواز سفر دبلوماسي، والحصول على تعويض عن الأضرار المقدرة بحوالي نصف مليون فرنك. وهي الشكوى التي يُحتمل أن تشرع محكمة الدرجة الأولى في جنيف في النظر فيها ابتداء من يوم 24 سبتمبر القادم. سذاجة ام آمال مفرطة؟ وبالإعتماد على ما أوردته صحيفة "لوتون" في عددها الصادر يوم 4 يونيو في جنيف، تكون وزيرة الخارجية قد سافرت إلى طرابلس وفي نيتها إعادة المواطنيْـن السويسرييْـن على متن طائرتها. وكان الرجلان اللذان ترفض السلطات الليبية منحهما تأشيرة الخروج منذ أكثر من 300 يوم بعد أن تعرضا للتوقيف بعد يومين من اعتقال نجل الزعيم الليبي وزوجته في جنيف، وهي خطوة اعتبرها البعض "إجراء انتقاميا"، رغم تبرير السلطات الليبية بأن الإيقاف تم "بسبب انتهاك قوانين الهجرة والإقامة" المعمول بها في الجماهيرية. وفي السياق نفسه، أشارت صحيفة "لوتون" إلى أن الطائرة الخاصة التي أقلت الوزيرة قد تم الاحتفاظ فيها بمقعدين شاغرين في هذه الزيارة التي تحول فيها إلى طرابلس وفد يضمّ سبعة أشخاص من بينهم طبيب وزوجتا المواطنين السويسرييْـن الممنوعيْـن من مغادرة الأراضي الليبية. البيان الصادر في برن عن وزارة الخارجية يوم 29 مايو، شدّد على أن زيارة السيدة ميشلين كالمي - ري، كانت "للوقوف على كثب على أحوال المواطنيْن السويسرييْن"، وهو ما يُزيل اللوم ويؤكد أن الوزيرة كالمي - ري لم تتغافل عن مُواطنيها المحتجزين منذ أكثر من عشرة أشهر في ليبيا، لكن عدم تسوية وضعيتهما بدأ يثير قلقا لدى الرأي العام السويسري، خصوصا بعد تحرك أعضاء بارزين في حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) وتنظيمهم - في سابقة غير عادية - لمظاهرة تضامنية معهما أمام قصر الأمم المتحدة في جنيف قبل أكثر من شهر. إضافة إلى ذلك، بدأت تظهر أصوات متفرقة على الساحة السويسرية تطالب بمقاطعة المصالح الليبية، بل حتى التحول عن التزود بالنفط من الجماهيرية والإستعاضة عنه بمصادر أخرى في حال استمرار التأزم بين البلدين. حوار مع "أصحاب القرار" الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الى طرابلس، سمحت في الوقت نفسه بفتح قنوات حوار مباشرة مع المسؤولين الممسكين بمفاصل السلطة الفعلية حاليا في الجماهيرية، حيث تقابلت الوزيرة كالمي - ري خلال زيارتها - بالإعتماد على ما أوردته صحيفة لوتون من معلومات - مع رئيس الوزراء الليبي، وبالأخص مع وزير الخارجية الجديد موسى كوسة، الذي شغل منصب رئيس جهاز المخابرات في بلاده لأكثر من 15 عاما والذي يرى مراقبون أن ملف العلاقات المتأزمة مع سويسرا يشكل "أول اختبار له" في هذا المنصب، الى جانب تفعيل التقارب مع الولايات المتحدة. وتعني هذه التطورات أن الطرف السويسري تجنب هذه المرة استخدام قنوات إما "مغضوب عليها" أو "لا تأثير لها" في دوائر القرار الفعلية في طرابلس (مثل قناة سيف الإسلام القذافي أو الحوار عبر وزير الخارجية السابق عبد الرحمن شلغم، الذي تم إبعاده ليشغل الآن منصب سفير لدى الأمم المتحدة في نيويورك)، وهي القنوات التي يُحتمل أن يفهم منها الممسكون بدواليب السلطة في ليبيا "رسائل مغلوطة"، حتى وإن كانت النوايا حسنة. وبهذه الزيارة وهذه اللقاءات المباشرة، خصوصا بوزير الخارجية الجديد، تكون سويسرا قد لبّـت مطلبا تمت المناداة به منذ بداية الأزمة، أي التحاور على أعلى المستويات. يبقى الآن معرفة طبيعة الرد الليبي على هذا التحرك وإلى أي مدى ستسمح الحلول المقترحة من هذا الجانب أو ذاك، بحفظ ماء الوجه للطرفين وطي هذه الصفحة نهائيا. |
سويس انفو |